رياضة

فرانز بيكنباور: محطات في مسيرة القيصر

في مدينة «جيسين»، بالقرب من ميونخ الألمانية، بدأ بطل قصتنا في التعرُّف على أول صديق له. بطل قصتنا هو فرانز بيكنباور، وصديقه هو جدار منزله، الذي ظل يتبادل معه التمريرات حين كان طفلًا، يحلُم في أن يُصبح لاعب كرة قدم كبير. 

قصة اللاعب الألماني الأنيق يُمكن اختزالها في عدّة لحظات أيقونية، وقرارات مفصلية، آلت بالنهاية إلى تكوين ما يُمكن أن نصفه بأفضل لاعب ألماني في التاريخ، وأحد أهم علامات كرة القدم عبر تاريخها. 

الصفعة 

فرانز بيكنباور: محطات في مسيرة القيصر

بالطبع، فرانز بيكنباور هو القائد التاريخي لنادي بايرن ميونخ الألماني، هكذا عرفناه، وربما لا نستطيع تخيُّل ارتدائه قميص آخر، صحيح؟ في الحقيقة، وراء وصول بيكنباور للنادي الباڤاري قصة، يمكنها أن تُخبرنا الكثير عن شخصية اللاعب القوية، حتى وإن حدثت حين كان يبلغ من العمر 12 عامًا فقط. 

التحق فرانز بنادي «اس سي ميونخ» عام 1954، وقتئذٍ كان يبلغ نحو 9 أعوام، وكان يُنظر إليه كلاعب واعد، على الأغلب سيلتحق بنادي «تي اس في ميونخ»، النادي الأكبر بالمدينة. 

بالفعل، في عام 1957، تم إبلاغ بيكنباور ومجموعة من زملائه في نادي «اس سي ميونخ»، أنّ النادي يمُر بضائقة مادية، بالتالي سيلجأ لبيعهم إلى «تي اس في ميونخ» من أجل مواصلة تشغيل قطاع الناشئين. 

لكن في إحدى مباريات بطولة المدارس جنوب شرق ميونخ، تشاجر فرانز مع أحد لاعبي فريق «تي اس في» قبل أن يقوم ذلك اللاعب بصفعه على وجهه دون أن يشاهده حكم المباراة. في هذه اللحظة، وعلى الرغم من تشجيع فرانز لـ«تي اس في»، قرر ألا يذهب لذلك الفريق بل إلى منافسه الأقل قوة في ذلك الوقت؛ بايرن ميونخ. 

صدفة سعيدة 

يعتقد أن انطلاقة فرانز بيكنباور مع الفريق الأول لبايرن ميونخ كانت عام 1964، لكن المفاجأة هي أن أولى مشاركاته كانت في الدرجة الثانية الألمانية حيث كان يلعب النادي الباڤاري. لكن كيف ذلك؟ 

طبقًا لـ«دويتشه فيله» الألمانية، حتى عام 1963، لم تكن ألمانيا الغربية قد عرفت بعد الدوري الممتاز. حيث كان نظام البطولة عبارة عن لعب أبطال المقاطعات لمباريات خروج المغلوب من أجل تحديد بطل ألمانيا الغربية. وكان ذلك نظامًا غير عادل بكل تأكيد. 

في ذلك العام، قرر الاتحاد الألماني استقبال طلبات الاشتراك بالدوري الممتاز المُستحدث، في حين لم يتمكَّن بايرن ميونخ بشكل ما من الاشتراك في البطولة التي وضعت معايير الاشتراك بها لجنة داخلية. 

في ذلك الوقت، رحل معظم لاعبي بايرن المُميزين، طمعًا في عقود أفضل بأندية الدوري الممتاز. فيما لجأت إدارة بايرن ميونخ في تصعيد شبابها وعلى رأسهم فرانز بيكنباور، الذي لم يكن المجال ليُفسح له بهذه السهولة، إذا ما شارك بايرن في الدوري الألماني فور انطلاقه. 

إعادة تعريف كرة القدم 

حقيقةً، بدأ بيكنباور مسيرته كجناح أيسر، ثم متوسط ميدان، ثم تم توظيفه كـ«ليبرو». والليبرو في اللغة الإيطالية تعني اللاعب الحُر، وهذا المركز تحديدًا كان يحظى بسُمعة سيئة بسبب تكتيكات الإيطاليين الدفاعية التي تعرف بالـ«كاتيناتشو». 

لكن حالة بيكنباور كانت مُختلفة؛ ربما لأنه بدأ مسيرته كلاعب وسط، امتلك رؤية ومهارات فنيّة تجعله أكثر من مُجرَّد لاعب يسعى للدفاع عن مرماه، بل فنَّان يُنظِّم هجمات فريقه نحو مرمى الخصم، عبر تمريرات مُتقنة تخترق الصفوف. 

مشاهدة «القيصر»، كما لُقِّب من قبل جماهير كرة القدم، كانت سهلة، وكأنّه نجم سينمائي يتجوَّل في الميدان، يهتم بمظهره، شعره المُصفف، وهو ما جعله سهل الملاحظة على أرض الملعب؛ لأن صورة لاعب كرة القدم المستقرة في أذهان الجماهير في ذلك الوقت كانت تؤكد على ضرورة ارتباط ممارسة اللعبة بالعمل الشاق والعرق، بينما كان فرانز بالكاد يعرق. 

في الحقيقة، طريقة ممارسة القيصر للعبة لا علاقة لها بكونه لاعب ناعم، نشأ وفي فمه ملعقة من ذهب. على العكس تمامًا، بيكنباور كان ابنًا لعامل بسيط يعمل بهيئة البريد، درس في مدرسة تضم أبناء الطبقة العاملة، في منطقة كانت من أكثر المناطق التي تعرضت للقصف في الحرب العالمية الثانية. وهذا ما انعكس على طريقة تعامله مع الأزمات داخل وخارج أرض الملعب. 

القائد الصامت 

في 1970 كان بيكنباور قد أصبح أحد أعمدة المنتخب الألماني الرئيسية، وفي حين لم يكن قد حظي بشارة القائد بعد، كان تأثير صاحب الـ24 عامًا وقتئذ يفوق كل زملائه الأكثر خبرة. 

في مباراة نصف نهائي كأس العالم 1970 بالمكسيك، والتي جمعت ألمانيا الغربية بإيطاليا، وتوصفها الصحافة بمباراة القرن، لعب بيكنباور نحو 50 دقيقة من عمر المباراة التي انتهت بهزيمة الألمان بذراع مخلوع، دون أن يبدي أي اعتراض أو شكوى. في ذلك الوقت، اتضح أن ألمانيا بالفعل تمتلك لاعبًا له سمات مختلفة. 

فرانز بيكنباور: محطات في مسيرة القيصر

في 1974، اتضحت معالم هذه الشخصية القيادية. طبقًا للأرجنتيني أوزفالدو أرديليس، كرة القدم في الستينيات والسبعينيات كانت لعبة يتحكَّم في مصيرها اللاعبون وليس المدربين، فكان أمثال فرانز يتخذون القرارات داخل أرض الملعب، والأهم خارجه. 

بعد المباراة التي جمعت ألمانيا الغربية بنظيرتها الشرقية في دور المجموعات من كأس العالم 1974، والتي هزم خلالها نجوم المعسكر الغربي بهدف نظيف، وصلت معنويات الفريق للحضيض. 

حسب أحد زملاء بيكنباور، الذي حضر هذه المباراة، عقب المباراة، قام فرانز بيكنباور بإلقاء خطاب تاريخي على اللاعبين، أشار خلاله بصراحة إلى المُقصرين، ثُم قام بمساعدة مدرب الفريق «هيلموت شون» على تعديل خطته وإجراء بعض التغييرات من أجل تصحيح مسار الفريق الذي حصد الكأس بالنهاية. 

طبقا لمعظم لاعبي هذا الجيل، كانت تلك البطولة أهم محطات مسيرة فرانز بيكنباور الرياضية؛ لأنّه قام بتحمُّل المسؤولية كاملةً، على أرض الملعب حين حجَّم «يوهانس كرويف»، أفضل لاعبي العالم في ذلك الوقت، وخارجه حين تفاوض على كل كبيرة وصغيرة تخص زملائه بداية من المكافآت، وصولًا لمقاطعة الاتحاد الألماني حين رفض إشراك عائلات اللاعبين في الاحتفال بالبطولة. 

بالطبع، من الممكن جدًا أن نكتفي بسجل جوائز فرانز بيكنباور الفردية والجماعية للتدليل على عظمته كلاعب كرة قدم، لكن ربما كان أفضل من وصف بطل ألمانيا التاريخي الذي توفي في يناير 2024، هو البريطاني برايان كلوف الذي قال: 

لقد شاهدت فرانز بيكنباور يدخل مطعمًا، كان يمشي بنفس الطريقة التي يمشي بها داخل الملعب، بنفس الثقة، الأناقة والسلطة. 

المصادر: 

١- فرانز بيكنباور: القائد والمدرب والرئيس والفائز المتسلسل.

٢- كيف بدأ البونديسليغا؟

٣- فرانز بيكنباور: أستاذ السهولة 

٤- كيف أصبح بيكنباور عقل ورؤية بايرن ميونخ؟

٥- حقائق عن فرانز بيكنباور

٦- 5 لحظات مميزة للقيصر مع بايرن ميونخ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى