رياضة

كيف بنى ريال مدريد وبرشلونة إرثهما الكروي؟

في 2022، كانت مباراة الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة الإسبانيين خامس أكثر مباريات كرة القدم مشاهدة حول العالم، بعد نهائي كأس العالم، نهائي دوري أبطال أوروبا، نهائي اليورو، وأخيرًا ديربي مانشستر. 

تبدو هذه الإحصائية منطقية، فالثلاث مناسبات الأولى هي مناسبات قاريّة، تجذب الاهتمام، ومباراة سيتي ويونايتد صعدت مؤخرًا لتصبح أحد أهم المباريات نتيجةً للتفوُّق الساحق لمانشستر سيتي بالسنوات الأخيرة. 

لكن وجود مباراة الكلاسيكو، على الرغم من تراجع مستوى الكرة الإسبانية بشكل عام يجعلنا مضطرين للسؤال عن سبب احتفاظ هذه المباراة المحلية تحديدًا برونقها، حتى ولو لم يعد ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو طرفين للصراع. 

الحقيقة أن الإجابة على السؤال حول إرث ريال مدريد وبرشلونة مرتبط بشكل وثيق بالتاريخ؛ وهو ما يجعل هذا الصراع أكثر قابلية للاستدامة مقارنةً بغيره من الصراعات المستحدثة. 

ريال مدريد وبرشلونة.. كراهية لا تضر

في 2011 وتزامنا مع احتكار الكرة الكرة الإسبانية للبطولات، على مستوى الأندية والمنتخبات، أصدر الكاتب الإنجليزي «فيل بول» كتابه «Mor­bo: The Sto­ry Of Span­ish Foot­ball». بدايةً، حاول بول شرح معنى كلمة «Mor­bo»، التي لا يوجد لها أي مكافئ في أي لغة، لذا قرر أن يخصص أول 20 صفحة من كتابه لمحاولة تفسير هذا المصطلح الذي يمكن أن نعتبره مرادفا للكراهية.

يرى بول أنّ أهم سمات الكرة الإسبانية عبر تاريخها هي العداء والكراهية التي نشأت بين الأندية. حتى وإن كان وقع هذه العبارات ثقيلًا، يظل منطقيًا؛ الخصومة بشكل عام ضرورية لاستمرار أي منافسة، خاصةً تلك التي تنشأ في المجتمعات تمتلك خصائص متقاربة؛ مثل اللغة، الثقافة، والحدود الجغرافية. 

بالطبع، يعود تاريخ الخصومة بين ريال مدريد وبرشلونة لنشأة الكرة الإسبانية بشكل عام، لكن ما يجعل إرث الفريقين متفردًا هو حقيقة أن هذا الصراع لا علاقة له بأرض الملعب من الأساس، بل دائمًا ما تُروى حكاية خارج الملعب، تُشعل الصراع، تجذب الانتباه، وبالتالي تضمن استمرارية لكلا الناديين أيًا ما كانت الظروف. 

في الحقيقة، تقوم السردية الأشهر، والتي صنعت أسطورية مواجهات ريال مدريد وبرشلونة، على الصراع السياسي الذي بدأ في منتصف القرن الـ20 بين نادي النظام والإقليم المُضطهد. 

في الواقع شكَّلت هذه الرواية جزء كبير من إرث ريال مدريد وبرشلونة، حتى ولو كان النقل التاريخي للأحداث يحمل بطياته الكثير من علامات الاستفهام، لكنه ظَّل ضروريًا لمنح كل نادٍ إرثه الخاص. إليك كيف حدث ذلك؟ 

إسبانيا ما بعد الحرب الأهلية 

ريال مدريد وبرشلونة
الجنرال فرانكو.

تبدأ القصة مع انتهاء الحرب الأهلية الإسبانية عام 1939 بقيادة مجموعة الجنرالات ضد الانفصاليين، وقتئذٍ أصبح الجنرال «فرانشيسكو فرانكو» زعيمًا لإسبانيا. 

امتلك فرانكو حُلما بتأسيس دولة ذات ثقافة قومية موحّدة، من شأنها القضاء على كل أشكال النزعات الإقليمية، واختزال صورة الدولة الجديدة في العاصمة المركزية مدريد. 

لتحقيق هذا الحلم، بدأ فرانكو ومعاونوه في وضع قوانين صارمة للحد من أثر الحركات الانفصالية المنتشرة في كاتالونيا والباسك؛ فحظر كل اللهجات باستثناء «كاستيلانو»، التي أصبحت اللغة الرسمية الوحيدة للبلاد. 

سرعان ما انتقلت نظرة فرانكو القومية لكرة القدم، حيث أمر بتغيير اسم نادي برشلونة الكاتالوني لنادي برشلونة لكرة القدم، كما أمر بإزالة  شعار النادي «Seny­era» الذي يرمز لاستقلالية كاتالونيا. 

ومع ذلك، لا يوجد دليل واضح على تأثير فرانكو المباشر على نتائج فرق كرة القدم الإسبانية في هذه الفترة، فمثلا نجح برشلونة خلال الفترة ما بين 1942 وحتى 1960 في تحقيق 6 ألقاب للدوري و7 ألقاب للكأس. 

في الواقع، يعتقد المؤرخون أنّ فرانكو لم يكن مُهتمًا بإضعاف نادي برشلونة على الرغم من العداء الواضح مع إقليم كاتالونيا الانفصالي، وهو ما يُفسّره نجاح فريق الإقليم الثائر لعدد كبير من البطولات في عز سيطرة الجنرال على الحكم. لكن القصة أكثر تعقيدًا. 

سفير إسبانيا 

يعتقد أن قصة تعاقد ريال مدريد مع دي ستيفانو هي الدليل الدامغ على محاباة النظام الإسباني لريال مدريد على حساب برشلونة. وربما يبدو ذلك منطقيًا. فاللاعب الذي بيع عقده لكلا الناديين، انتهت قضيته بحُكم هزلي، على أن يلعب عام لصالح كل فريق انطلاقًا من عام 1952. بالتالي قرر نادي برشلونة أنّ يتنازل عن حقه في اللاعب مقابل 4.5 مليون بيزيتا إسبانية. 

ريال مدريد وبرشلونة
دي ستيفانو

طبقا لوزير خارجية إسبانيا في عهد فرانكو، كان ريال مدريد السفير المثالي لإسبانيا، حيث أراد الدكتاتور الإسباني أن يرى العالم إسبانيا بهذا الشكل القوي، بالتالي كان منطقيًا أن يستغل سانتياغو بيرنابيو، رئيس ريال مدريد وقتئذٍ هذا التوجُّه للاستفادة بأكبر قدرٍ ممكن. 

بالتالي، نجح بيرنابيو في تكوين أول جالاكتيكوس في تاريخ كرة القدم، الذي يدور حول أهم لاعب كرة قدم في ذلك الوقت وهو دي ستيفانو، بجانب مجموعة من الأفذاذ مثل بوشكاش وخينتو، وغيرهما من النجوم الذين قادوا ريال مدريد لتحقيق 5 ألقاب أوروبية متتالية. 

من هنا تحديدًا تكوَّن إرث ريال مدريد، لكن السؤال: كيف نجح برشلونة في ظل هذه الظروف أن يبني إرثا مشابها؟ 

برشلونة.. أقوى فريق مستضعف 

لربما تعتقد أن السر في تاريخ برشلونة الكروي يعود بالأساس لفترة يوهان كرويف لاعبا أو مدربا، لكن الحقيقة أنّ نجاحات ريال مدريد الأوروبية غطّت تاريخيًا على وجود فريق ممتاز تم تكوينه في نفس الفترة بكاتالونيا. 

يقول دي ستيفانو، الرجُل الذي كان شاهدًا على سيطرة ريال مدريد على إسبانيا، أنّ فريق برشلونة كان الفريق الوحيد القادر على هزيمة جالاكتيكوس مدريد. كيف ذلك؟

في كتابه «لا روخا»، يدّعي جيمي بارنز، أنّ السر في هيمنة ريال مدريد على الكرة الأوروبية كان مفسرًا، لأنّه نادرًا ما واجه أندية على نفس مستواه الفني أو البدني في هذه الفترة. يتفق بوبي تشارلتون، نجم مانشستر يونايتد مع هذا الطرح، حيث يرى أن فريق ريال مدريد في هذه الفترة كان يلعب كرة قدم تتفوَّق على كل أندية العالم، بفضل كتيبة لاعبيه الخارقة للعادة. 

مع ذلك، داخل إسبانيا، كان برشلونة، الذي لم يكن قد شارك في البطولة الأوروبية المستحدثة بعد، الفريق الوحيد القادر على خنق نجوم ريال مدريد، بفضل كتيبة من اللاعبين المميزين وعلى رأسهم، مجموعة اللاجئين المجريين. 

تزامنًا مع فشل برشلونة في جلب دي سيتفانو، تم الاتفاق ضمنيًا على تنازل ريال مدريد عن التعاقد مع أحد نجوم جيل المجر الرهيب لصالح برشلونة، كان هذا النجم هو لازلو كوبالا، الذي يعتقد أنّه سببا رئيسيا في بناء ملعب كامب نو، رغبةً في أن يشاهده أكبر عددٍ ممكن من الجمهور. 

ريال مدريد وبرشلونة
لازلو كوبالا

جذب كوبالا صديقيه «ساندور كوسشيتش» وزولتان سيزيبور» لكاتالونيا، اللذان كانا قد فرّا للتو من تداعيات الثورة بالمجر نحو إسبانيا، كي يكوّنوا فريقا خياليا هناك. 

يوضح بوشكاش، نجم ريال مدريد تأثير ثلاثي المجر قائلا: بينما كنا نفوز بكأس أوروبا في عامي 1959 و 1960، كان برشلونة يفوز بالدوري مرتين على التوالي. كان لديهم فريق رائع قادر على هزيمتنا بسهولة، بفضل فتيان المجر. 

ربما كانت هذه هي النقطة التي بنى نادي برشلونة إرثه من خلالها، بشهادة الخصم الأزلي، الذي صال وجال وحقق الألقاب الأوروبية. وهذا ما يُفسِّر ولو بشكل ضمني، كون خصومة ريال مدريد وبرشلونة الخصومة الأشرس على مدار تاريخ كرة القدم دون الارتباط بفترة تاريخية محددة. 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى