رياضة

ربو ووسواس قهري.. نجوم كرة القدم الذين نجحوا رغم المعاناة

دائمًا ما يُنظر للرياضيين المحترفين ولاعبي كرة القدم بشكل أخَص، كأبطال أكثر كمالا من البشر العاديين. وهذا التصوُّر ‑غير الدقيق- ربما بدأ في التبلور مع تحول اللعبة للاحتراف، والاهتمام بمساحات مثل الجاهزية البدنية والنفسية والعقلية. بالتالي، لكي ينافس لاعب كرة القدم المحترف بمستوى عال، لا يمكن أن يفعل ذلك وهو يعاني مثل المشجع العادي، وإلا فلم يتقاضَ راتبا ضخما؟ 

مع ذلك، دعنا نخبرك أن لاعب الكرة للمفارقة ليس آلة، بل أن الكثير من هؤلاء اللاعبين نجحوا في إكمال مهمتهم داخل الملعب على الرغم من معاناتهم من حالات مرضية حرجة، وأحيانًا مزمنة، قد تعيق الشخص العادي على أداء عمله بشكل عادي، ناهيك عن كونه مُحترفًا، مطالب بتقديم أفضل أداء له على الملعب في كل مرة يدخله. 

فرضية غريبة صحيح؟ لنر. 

حارس مخبول

في الثقافة الكروية الإنجليزية توجد مقولة تتردد باستمرار مفادها هو أن حراس المرمى لديهم مشكلات في قواهم العقلية. أصحاب هذه النظرية يعتقدون أن كثرة الارتطامات التي يتعرّض لها حارس المرمى تلعب دورًا في ذلك. لكن مشكلة «تيم هاورد»، حارس مرمى مانشستر يونايتد وإيفرتون الأسبق، كانت أكبر من ذلك. 

إن كنت متابعًا للدوري الإنجليزي الممتاز بمطلع الألفية الثالثة، بالطبع أنت تعلم من هو هاورد، والأهم أنك قد تكون لاحظت قيام الحارس بتصرفات وحركات غريبة مثل التمتمة وهَز الكتفين أثناء مشاهدتك له. 

مفاجأة، لم يكن تيم مُختلًا، لكنّه ببساطة كان قَد شُخِّص منذ أن كان في العاشرة من عمره باضطراب الوسواس القهري «OCD» ومتلازمة توريت «Tourette Syndrome». 

طبقا لتعريف الطب النفسي، يقوم المصاب بالوسواس القهري لا إراديًا باتباع أنماط محددة للقيام بأي مهمة، وإذا حاول المقاومة يبدأ في الشعور بعدم الارتياح وأحيانًا الإحساس بمضاعفات مثل تمخُّض المعدة، التصبب عرقًا، التنفس بصعوبة. فيما يقوم المصابون بمتلازمة توريت بمجموعة من الحركات التكرارية أو الأصوات التي تصدر عنهم بشكل لا إرادي. 

كرة القدم
تيم هاورد.

في الواقع، يعتقد تيم هاورد، أكثر من مَثَّل منتخب الولايات المتحدة الأمريكية، أنّ معاناته مع متلازمة توريت لم تكن تعيقه عن ممارسة كرة القدم، بل على العكس، يرى أنّها كانت سببًا في نجاح مسيرته التي امتدت لثلاثين عامًا. كيف ذلك؟ 

أحد أعراض الإصابة بمتلازمة توريت تكون التركيز الشديد في أداء وظيفة بعينها، وبما أنّ هاورد عاش حياته كاملةً في عالم من فرط الحركة والتشنجات اللاإرادية، كان تركيزه يتحوَّل تمامًا إلى الكرة بمجرد أن تقترب من مرماه، وكأن العالم الطبيعي يعمل بسرعة أبطأ نسبيًا مما يتوقعه. 

يقول تيم هاورد: على أرض الملعب، كان عقلي يأمرني بلمس العُشب، التمتمة، هَز كتفيّ، أو أي فكرة مجنونة، لكن بمجرد اقتراب الكرة من مرماي تتلاشى كل هذه الأفكار، بل أعتقد أنني كنت أكثر قدرة على توقُّع أنماط اللعب قبل حدوثها. 

 

لن تصبح محترفا

كرة القدم
ناتشو فيرنانديز.

«تخيّل أن تخبر طفلًا أنّه لن يستطيع أن يلعب كرة القدم مُجددًا!». 

ناتشو فيرنانديز، لاعب ريال مدريد الإسباني. 

وصل ناتشو لأكاديمية ريال مدريد في العاشرة من عمره، ومنذ الموهبة الأولى بدأ أنّه يمتلك ما يجعله مدافعا صلبا، لكن السؤال كان هل سينجح في التدرُّج بالفئات السنيّة حتى يصل للفريق الأول، أم يلقى مصير معظم مواهب الكاستيا ويرسل إلى فريق آخر. 

بعد عامين، كان ناتشو يستعد للاشتراك مع فريق الأكاديمية للمشاركة في بطولة محلية، وقبل انطلاق البطولة بخمس أيام فقط، بدأ يشعُر أنّه في حاجة للتبوُّل أكثر من اللازم، ويشعر بعطش شديد على فترات. هنا أدركت والدته أنّ هنالك خطب ما. 

ذهب ناتشو ووالدته للمستشفى، وبعد إجراء التحليلات اتضح أن الفتى الصغير مصاب بمرض السكري من الدرجة الأولى. وقتئذٍ، نظر الطبيب إلى الفتى الصغير وأخبره أنّه لا يمكنه لعب كرة القدم مجددّا. 

بعد عدّة أيام، ذهب الفتى ووالدته مجددًا للمستشفى لاستكمال المتابعة الطبيّة. لحسن الحظ، لم يكُن الطبيب الذي شخَّص حالته في المرة الأولى موجودًا. لذا قابل ناتشو طبيبًا يُدعى «راميريز»، الذي أخبره بالعكس تمامًا، أي أنّ ممارسة الرياضة مهمة جدًا لحالته. 

ربما لعب القدر دورًا كبيرًا في تحويل مسيرة لاعب منتخب إسبانيا، الذي يرى أنّه على الرغم من ذلك، لم يكن ليتمكَّن في الاستمرار في لعب كرة القدم دون المداومة على العلاج الطبي يوميًا والاهتمام بنظام غذائي مناسب لحالته. 

 

كشف السِّر 

الإنجليزي «ديفيد بيكهام» هو أول من أدخل مفهوم العلامة التجارية للاعب كرة القدم بشكل قوي. حيث نجح رفقة زوجته في التحوُّل من مجرَّد لاعب كرة وعارضة أزياء لنجوم مجتمع عالميين، وهي خطة مدروسة بالمناسبة. بالتالي، ربما يبدو من الصعب جدًا أن ينجح «بيكس» في إخفاء أي شيءٍ عن حياته الشخصية صحيح؟ المفاجأة، هي أن اللاعب الذي نشط في أعظم أندية كرة القدم بالعالم نجح في إخفاء سِره لنحو عشرين عاما. 

كرة القدم
ديفيد بيكهام.

 

«بيكهام يعاني من الربو منذ سنوات». 

سيمون أوليفيرا، وكيل اللاعب. 

في 2009، وأثناء تواجد بيكهام رفقة فريقه لوس أنجلوس جالاكسي في المباراة النهائية لكأس «MLS»، التقطت عدسات الكاميرات النجم الإنجليزي وهو يستخدم جهاز استنشاق بعدما أصيب بضيق في التنفُّس. 

المثير أنّنا لم نتمكَّن من اكتشاف هذا السر، الذي رأى بيكهام نفسه أنّه لم يؤثر على مسيرته الرياضية قط سوى قبل نهايتها بسنوات قليلة، فكيف نجح في ذلك؟ 

طبقا للدكتور مايك توماس، أحد الأطباء المعالجين لحالات الربو، فهذا المرض شائع جدًا بين نخبة الرياضيين. وربما نجح نجم مانشستر يونايتد الأسبق في إخفاء حالته المرضية لأنه يداوم على تناول دواء منتظم الربو. 

بعد تسع سنوات من هذه الحادثة، نشرت المجلة الأوروبية للجهاز التنفسي بحثا يخبرنا كيف نجح بيكهام على الرغم من إصاباته بالربو في اللعب على مستوى عالٍ طوال مسيرته تقريبًا. 

أشار البحث المدعوم من جامعة باريس الفرنسية إلى أن اتباع نظام غذائي صحي يرتبط بشكل مباشر بانخفاض أعراض الربو عند المصابين. 

طبقا لبعض التقارير الصحفية، نظام ديفيد بيكهام الغذائي صارم جدًا، يتكون من لحوم خالية من الدهون، نسب عالية من الخضروات الورقية، فيما يحصل على الدهون التي يحتاجها جسمه من الزبادي وزيت الزيتون. وهذا النظام يتماشى بشكل شبه مثالي مع توصيات بحث الجامعة الفرنسية. 

 

«بعيد عن العين» 

بحلول شهر يناير 2012، كان ديفيد دي خيا، المنتقل حديثًا لمانشستر يونايتد الإنجليزي حبيسًا لدكة بدلاء السير أليكس فيرجسون، بعدما تسبب مباشرة في عدد من الأخطاء الكارثية التي أدت لخسارة الفريق عدد كبير من النقاط. 

كرة القدم
ديفيد دي خيا.

المفاجأة وقتئذٍ كانت أنّ الحارس الدولي الإسباني لا يعاني من فترة هبوط مستوى، لكنّه مُصاب بـ«Hyperopia»، أو طول النظر؛ بمعنى أنّه يستطيع رؤية الأشياء البعيدة أكثر وضوحًا، بينما يفشل في رؤية الأشياء القريبة منه. 

الحل المبدئي لهذه المشكلة التي عانى منها دي خيا حتى قبل الانتقال لليونايتد، كان ارتدائه لنظارة طبية خارج الملعب، وعدسات لاصقة داخله. هذه ليست مزحة، عديد اللاعبين يرتدون عدسات لاصقة داخل الملعب للحد من تأثير أي مشكلات يعانون منها. 

المثير هو أنّ مانشستر يونايتد كان على علمٍ بهذه القصة قبل إتمام الصفقة التي كلفت خزائن النادي نحو 19 مليون يورو، حتى أن اللاعب نفسه كان على بعد خطوات من إجراء جراحة بالليزر وقت لعبه لأتلتيكو مدريد الإسباني لتصحيح بصره، لكن الطاقم الطبي للنادي أوصى بتأجيلها لعام آخر. 

وظَّف مانشستر يونايتد طبيب عيون بدوام كامل لعلاج الإسباني، الذي اعترف بالفعل قبل سنوات لـ«باولو أسنساو»، زميله في أتليتيكو مدريد بأنّه يعاني من مشكلة ضخمة في الرؤية. 

على كُل، لم يتحدّث السير أليكس فيرجسون أو أي مسؤول عن قصة نظر دي خيا مرة أُخرى، ولا نعلم حقيقةً إذا ما كان لا يزال يلعب باستخدام عدسات لاصقة أم قام بتصحيح بصره عبر عملية جراحية. 

في الواقع، تبدو القصص أعلاه مهمة، لسبب وجيه، وهو دحض النظرية الشائعة التي تُشبه لاعبي كرة القدم بالآلات التي يجب أن تعمل دون توقُّف. لكن على العكس تمامًا، هؤلاء المحترفين ليسوا خارقين، لكنهم بشر لديهم إرادة قوية، جعلتهم ينجحون على الرغم من هذه المعاناة. أو هكذا نعتقد. 

 

المصادر: 

١- تيم هوارد: نشأت مع متلازمة توريت. (غارديان) 

٢-ناتشو: الطبيب أخبرني أنّه يستحيل أن ألعب كرة القدم (ديلي ميل). 

٣- بيكهام يعترف بالسر (ميل أونلاين) 

٤- النظام الغذائي لبيكهام لعب دورا في التحكم بالربو. 

٥- دي خيا يحتاج لعملية جراحية (غارديان)

٦- زميل دي خيا السابق يتحدّث عن مشاكل الإسباني مع الرؤية 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى