رياضة

من الصين إلى السعودية.. خورخي مينديز والتحكم بسوق الانتقالات

أعتقد أنّه إنسان متصل بهاتف، أو هاتف بصحبة إنسان. 

أوجستو سيزار، رئيس نادي ديبورتيفو لا كورونيا السابق، متحدثًا عن خورخي مينديز. 

بالتأكيد لا تحتاج لمقدمة طويلة نشرح لك من خلالها من هو خورخي مينديز، وكيل اللاعبين الذي ارتبط اسمه ارتباطًا وثيقًا بالنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، لكّن نجم مانشستر يونايتد وريال مدريد ويوفنتوس الأسبق لم يكن سوى حبة الكرز التي زيَّنت مسيرة وكيل اللاعبين البرتغالي، الذي يُعتقد أنّه قد ساهم في انتقالات تجاوزت المليار يورو. 

في الحقيقة أهم ما يتضح عند تتبع قصة حياة مينديز هو براعته في استغلال كل الأدوات المتاحة لديه، مهما كانت ضئيلة، للصعود وانتهاز الفُرص، الأمر الذي قاده في نهاية المطاف لامتلاك وكالة ضخمة، وصلت قيمتها لنحو نصف مليار دولار، أو أكثر بقليل. فما قصة هذا الرجل؟ 

أكثر من مجرد شاب 

بعمر الـ20 عاما، اضطُر خورخي مينديز ترك منزله البسيط في لشبونة، حيث أمضى مراهقته يعمل في مصنع المثلجات وبيع الملابس المستعملة والقبعات والسلاسل المصنوعة من القش. ليلعب كرة القدم بأحد أندية الهواة بإحدى الضواحي شمالي لشبونة، بجانب مشروع صغير كان عبارة عن متجر لبيع شرائط الفيديو. 

استغل كاباناس، كما يُطلق عليه جيرانه، موارده المتاحة لجمع المال اللازم، لينتقل مطلع التسعينيات ليعمل كمدير لملهى ليلي يقع على الحدود بين إسبانيا والبرتغال. هناك عقد صداقات مع مجموعة كبيرة من لاعبي كرة القدم، الذين يلعبون لأندية برتغالية مثل سبورتينغ براغا وبورتو وفيتوريا جيماريش.

خورخي مينديز

لكنّه لم يكتفِ بذلك، وقرر أن يلعب لأحد أندية الهواة، بشرط يكون له الحق في إطلاق حملة دعائية لملعب الفريق مقابل نسبة من الأرباح التي ينجح في تحصيلها. 

الحلم 

في التسعينيات، كانت الآلة الإعلامية تروِّج للحلم الأمريكي؛ حيث الحرية والانفتاح وتحقيق الثروات الضخمة. لكن بالنسبة للاعبي كرة القدم داخل البرتغال، الحلم هو تمثيل أحد أندية القمة: بورتو بنفيكا وسبورتينغ لشبونة. بالفعل كان هذا ما يحلم به «نونو سانتو»، حارس مرمى فيتوريا غيماريش، حتى قابل مينديز لأول مرة عام 1995. 

كان خورخي مينديز مدركًا لصعوبة تحقيق ذلك الحلم؛ لأن صديقه ‑سانتو- ليس حارسًا مؤهلًا بعد لتمثيل أحد عمالقة البرتغال، ولأنّه لا يمتلك العلاقات التي تؤهله لمساعدته في الوصول لبورتو، نادي أحلامه، لكنّه امتلك خطة بديلة. 

من دون مقدمات، قرر كاباناس السفر لكاستيلا، حيث يقع نادي ديبورتيفو لا كورونيا الإسباني من أجل إقناع مسؤوليه بالتوقيع مع نونو سانتو. في الواقع، كانت احتمالية نجاح الصفقة ضئيلة جدًا؛ النادي لا يعرف اللاعب، ولم يسمع عن مينديز قط. 

 

بعد إلحاح لمقابلة رئيس النادي، نجح مينديز في إقناعه بالتوقيع مع سانتو. لسبب لا يعلمه أحد، حتى رئيس النادي نفسه، الذي قال أنّ السر يكمُن في الشغف الذي أظهره مينديز عن تقديمه مقترحه بالتعاقد مع الحارس البرتغالي. 

كانت هذه أول صفقة حقيقية يبرمها خورخي مينديز، كما أنّها الصفقة الوحيدة التي لم يتقاض عمولة بعد إنهائها. لكنّها كانت اللحظة التي أدرك خلالها أنّه أخيرًا وجد المهنة التي يمكنه النجاح بها. 

خورخي مينديز والبرتغال.. وجهان لعملة واحدة 

يُعتقد أن خورخي مينديز يتدخَّل في نحو 70% من الصفقات التي تُبرم في البرتغال، للدرجة التي جعلت الصحافة البرتغالية تصفه بالرجل الذي يعلم كل كبيرة وصغيرة بسوق الانتقالات البرتغالية. والسؤال: كيف وصل مينديز لهذه الدرجة من التحكُّم؟ 

لا توجد لحظة واحدة يمكننا أن نقول أنّها السبب المباشر في انفجار خورخي مينديز كوكيل لاعبين خارق، لكنّها مجموعة من الأحداث المتتابعة التي قادته في النهاية لبناء شبكة علاقات ضخمة، تحتاج منه امتلاك 4 هواتف محمولة للرد على المكالمات التي تصله من كل حدب وصوب. 

أهم هذه الأحداث التي صنعت أسطورة مينديز هي الخلاف الذي نشب بين بينو دا كوستا، رئيس نادي بورتو، خوسيه فيجا، أشهر الوكلاء البرتغاليين بنهاية التسعينيات. وقتئذٍ، تقرَّب مينديز من دا كوستا، وساعده في بناء الفريق الذي نجح في 2004 في تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا. 

بعد بورتو، أصبحت الأمور أسهل، ووجد مينديز طريقًا لبراغا، وبنفيكا، بل أصبحت طريقته المميزة تُختصر في قدرته على تسويق عملائه دفعة واحدة لأندية بعينها، بل وأحيانًا استغل علاقاته برؤساء الأندية البرتغالية لتمرير التوقيع مع مجموعة من اللاعبين إضافة للتوقيع مع مدرب من عملائه أيضًا. 

لم يتوقّف هنا، بل تحوَّل كذلك لسمسار أندية، حيث تدخَّل لتسهيل عمليات بيع وشراء أندية مثل شراء الأسيوي بيتر ليم لفالنسيا الإسباني والروسي ريبولفيف لموناكو الفرنسي. وبالتأكيد هذه الصفقات تخدم مصالحه، فالمالك الجديد يتعامل بشكل حصري معه كوكيل لتدعيم الفريق بالمدرب واللاعبين المناسبين. 

الوجه الآخر 

توحُّش مينديز، وتحكمه شبه المطلق في السوق البرتغالية، قاده لبدء رحلة جديدة، بدت قانونية، لكنّها ليست أخلاقية. والرحلة باختصار كانت سياسة تدوير اللاعبين بين الأندية

بعدما استقرت شركة جيستي فوت بالسوق، وبفضل العلاقات الضخمة لصاحبها، دخل مينديز لاعبًا جديدًا في سوق شراء الحقوق الاقتصادية للاعبين، لكن كمستشار لصناديق استثمارية أجنبية. القصة باختصار هي أنّ شركة جيستي فوت تقدِّم نصائح للصناديق الاستثمارية حول المواهب الواعدة، ومن ثم يقوم مينديز بتدوير هذه المواهب بين الأندية التي يمتلك علاقات جيدة معها، وفي النهاية يتم بيع الموهبة لنادٍ كبير، ويربح الجميع. 

على سبيل المثال، كان الإسباني دييجو كوستا لاعبًا لأحد أندية البرازيل المغمورة، وكانت وكالة جيستي فوت قد رصدته كموهبة مُحتملة. في أحد الأيام، ذهب أحد موظفي الوكالة للبرازيل من أجل التوقيع مع اللاعب الذي سينتقل لبراجا البرتغالي. بعد 6 أشهر فقط، اشترى أتلتيكو مدريد الإسباني 50% من الحقوق الاقتصادية للاعب مقابل مليون ونصف يورو، وبعد سنوات معدودة كان اللاعب قد بيع لتشيلسي الإنجليزي مقابل 40 مليون يورو. 

هذه السلسلة من الانتقالات مدروسة وليست مصادفة، وتكررت بنفس الطريقة مع أكثر من لاعب، والهدف هو تحقيق أكبر ربح للمستثمرين الذين أخذوا بنصيحة وكالة مينديز عن طريق شراء الـ50% الأخرى من حقوق اللاعب الاقتصادية. 

بالتأكيد، أفادت هذه الحيلة العديد من اللاعبين، وحققت لهم حلم اللعب بمستويات عالية، لكنّها كذلك أضرّت عديد اللاعبين، الذين تحوّلوا في نهاية المطاف إلى دُمى تحركها أيدي مينديز أينما أراد. 

من الصين إلى المملكة

لعل أهم ما يُميز خورخي مينديز كوكيل، هي قدرته على ركوب أي فرصة متاحة، وهو ما يعني ارتباط اسمه بأي مشروع جديد، مهما بدا غريبًا؛ لأنّه منذ اللحظة الأولى في مسيرته كان قد قرر المخاطرة، فلم قد يتوقف الآن؟ 

في 2016 ومع صعود مشروع دوري السوبر الصيني، كان مينديز في أحد فنادق شنغهاي الفخمة يحتفل بشراكة استراتيجية بين وكالته جيستي فوت وشركة فوسون الصينية، التي اشترت نحو 30% من أسهم الشركة. 

يعتقد بيبو روسو، عالم الاجتماع المهتم بكرة القدم، والذي سبَق وأن ألَّف كتابًا عن الوكلاء الرياضيين، أنّ الشراكة بين وكالة مينديز والصين كانت إشارة واضحة لسلسلة التعاقدات الضخمة التي أبرمتها الأندية الصينية. 

طبقا لروسو، ربما لم يتدخَّل مينديز بجلب أسماء بعينها لأندية الصين، لكن إذا ما قررت مثلا البحث خلف مسيرة لاعب مثل جاكسون مارتينيز، الذي لا تُمثله وكالة جيستي فوت، ستجد أنّه ‑صدفة- وصل لغوانغزهو الصيني بعد سلسلة انتقالات شملت لعبه لأندية بورتو وأتلتكو مدريد بالترتيب. وهذا ما يعني دون شك، أن مينديز كان وسيطًا لاتمام هذه الصفقة. 

في 2023، تتجه الأنظار نحو مشروع المملكة العربية السعودية، وبالتأكيد لم يفّوت خورخي مينديز هذه الفرصة. لا تصدق؟ 

نفس السلاسل تكررت: البرتغالي روبن نيفيز من بورتو إلى وولفرهامبتون (شريك جيستي فوت) إلى الهلال السعودي. البرازيلي فابينهو من موناكو إلى ليفربول إلى الاتحاد السعودي. البرتغالي جوتا من بورتو إلى سيلتيك إلى الإتحاد السعودي. جميعهم عملاء لدى مينديز، وكلهم يسيرون وفقًا لخطته، التي قد تقود عديد الأسماء إلى المملكة العربية السعودية مستقبلًا، أو إلى أي وجهة جديدة تضمن للعملاق البرتغالي ربحًا أكبر. 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى