ثقافة ومعرفة

كيف يشكل العصر الجليدي تهديدا لأشكال الحياة كافة على الأرض؟

يعد العصر الجليدي من الفترات النادرة في تاريخ الأرض، إلا أن التنبؤ بحدوثه يعتبر ناقوسا للخطر، حيث شكلت الفترات التي اجتاح فيها العصر الجليدي سطح الأرض خطرا كبيرا على الإنسان، والحيوانات بشتى أنواعها، كذلك الغطاء النباتي بأكمله، وهو ما جعل العلماء يعكفون سنوات عدة في محاولة لمعرفة السبب الرئيسي المؤدي لحدوثه، والذين عجزوا عن التوصل إليه حتى وقتنا هذا.

العصر الجليدي

هو الفترة التي يكون فيها مناخ الأرض أكثر برودة من المعتاد، حيث تغطي الصفائح الجليدية القطبين الشمالي والجنوبي، كما تهيمن الأنهار الجليدية على الأقاليم والمرتفعات، ولكن قد توجد أيضا ذبذبات متفاوتة في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى تغير الظروف المناخية وتباينها من حيث البرودة والدف.

وتعرف هذه التغيرات بحقبتين هما «الحقبة الجليدية» و«بين الجليدية»، وهي التي يغطي الجليد فيها أحد القطبين فقط، وتكون درجات الحرارة أعلى وأكثر استقرارا مما يحد من تواجد الجليد، ويعتقد العلماء أن الأرض قد نجحت في تجاوز حوالي 5 عصور جليدية خطيرة حتى وقتنا هذا، والتي دام كل منها ملايين السنين.

العصر الجليدي

وعلى الرغم من قيام العلماء بالعديد من الدراسات لفهم الأسباب الحقيقية وراء هذه التغيرات المناخية، إلا أن السبب الرئيسي لا يزال مجهولا، باستثناء عدة أسباب يعتقد العلماء أنها أسهمت بشكل كبير في حدوث العصر الجليدي، والتي تتلخص في عدم وصول الإشعاع الشمسي للأرض، مما يبرز تغيرات في المدار الأرضي من شأنها التحكم في المناخ ودرجات الحرارة.

أضف إلى ذلك حركة الغلاف الصخري البطيئة بسبب تحرك القارات بشكل مستمر، وهو ما يؤدي أيضا إلى تغيير المناخ بفترات زمنية مختلفة، كذلك يعتبر الغلاف الغازي أحد أهم الأسباب، حيث يعتبر نقص غاز ثاني أكسيد الكربون المسؤول عن الاحتباس الحراري تحت سطح الأرض، عاملا رئيسيا في انخفاض درجات الحرارة مما يزيد من إمكانية حدوث العصر الجليدي.

عصر الهولوسين

منذ حوالي 38 مليون سنة بدأ الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي في نشر موجاته الباردة عبر محيطات العالم، وهو ما أدى إلى تغير درجات الحرارة التي يتعرض لها سطح الأرض، الأمر الذي أجبر جميع الكائنات الحية على الصمود للبقاء على قيد الحياة، من خلال محاولات التأقلم مع الظروف القاسية أثناء التقلبات المناخية الباردة، والتي يمكن أن تصل درجات الحرارة فيها إلى 5 درجات مئوية خلال فترات العصر الجليدي الرباعي بشكل عام، والتي اعتبرها العلماء سببا رئيسيا في انخفاض مستوى سطح البحر بمقدار 120 مترا مما هو عليه الآن.

ويرجح العلماء أن الحقبة التي نعيشها حاليا هي حقبة «بين الجليدية»، وقد أطلق عليها عصر الهولوسين الذي بدأ منذ حوالي 12 ألف سنة حتى وقتنا هذا، وقد استند العلماء إلى دراساتهم التي أجريت في القمم المتجمدة، والتي أثبتت أن هذا العصر هو امتداد للعصر الجيولوجي الرباعي الذي بدأ منذ حوالي 2.6 مليون سنة، وتتميز هذه الفترة بأكملها باختلافات دورية من الصعود والهبوط في أحجام الصفائح الجليدية ودرجات الحرارة التي يمكن أن تتغير في بعض الأحيان بمقدار 15 درجة مئوية في غضون عقدين، وهو الأمر الذي يكون له تأثير هائل في جميع أنحاء العالم من حيث تغيير الغطاء النباتي، وأنواع الحيوانات التي تعيش في مناطق معينة، والتي من شأنها المساعدة في تشكيل التطور البشري أيضا.

تنوع حيواني

يعتقد بعض العلماء أن الجمال والخيول والفيلة الموجودة الآن قد ظهرت أولاً في العصر الجليدي، كخيول اللاما والفيل والثور الأمريكي، حيث شهد هذا العصر تنوعا حيوانيا هائلا ولكن يعتبر الماموث الصوفي هو الحيوان المهيمن على العصر الجليدي الحديث بلا منازع، والذي كان منشؤه الأساسي في إفريقيا قبل أن يتكاثر ليصل إلى التندرا الشمالية.

ولكنه لم يكن الحيوان الوحيد الذي تكاثر خلال هذه الفترة حيث ظهرت حيوانات مختلفة من أنواع أخرى، والتي شملت الخيول، الحمار الوحشي، البيسون، فرس النهر، والكسلان ووحيد القرن، كما كانت الحيوانات المفترسة في هذا الوقت مختلفة عن وقتنا الحالي حيث وجدت أنواع من النمر السيفي والذي يطلق عليه أيضا «القط سيفي الأنياب»، وهو حيوان ذو أسنان حادة شبهها العلماء بالسيوف القاطعة التي تنقض على فريستها لتمزقها. 

العصر الجليدي
القط سيفي الأنياب، أو النمر السيفي..

كذلك تعددت أشكال الأسود من جنوب إفريقيا إلى جنوب أمريكا الشمالية خلال أواخر العصر الجليدي، ومنها أسود الكهف التي عاشت وتكاثرت في أوروبا إلى غرب كندا حيث كانت الكهوف شائعة في ذلك الوقت، والتي احتوت على الدببة أيضا والضباع في جميع أنحاء أوروبا وآسيا حتى الشمال الشرقي من سيبيريا.

انقراض جماعي

 ولكن بمرور الوقت اختفى هذا التنوع الحيواني حيث تقلصت أعداد الحيوانات حتى تلاشت تماما وانقرضت من سطح الأرض، ولم يتبق من هذه الكائنات التي يسميها العلماء «الحيوانات الضخمة للعصر الجليدي البليستوسيني» سوى بعض الجثث المحنطة على ضفاف الأنهار والسواحل الجليدية، ويعتقد العلماء أن المناطق الشمالية من أوراسيا شهدت انقراض حوالي 37% من الحيوانات التي يزيد وزنها عن 44 كيلوجراما، والتي واجهت مشاكل متعددة مع مناخ الاحترار الجليدي المتأخر الذي أثر بالتبعية على النباتات التي كانت تتغذى عليها.

العصر الجليدي

إنسان نياندرتال

لم يقتصر الأمر على الحيوانات فقط، بل على «إنسان نياندرتال» أيضا، وهم البشر الذين عاشوا عصور ما قبل التاريخ في أوروبا منذ حوالي 250 ألف عام، وتأثروا بشكل مباشر بمناخ العصر الجليدي الرباعي غير المتوقع، حيث عانت هذه الفئة من فترات التغير المناخي التي أجبرتهم على اختلاق الحيل والطرق المختلفة للإبقاء على حياتهم، بعد أن تقلصت أعداد الحيوانات التي يتغذون على لحومها وحاوطتهم الثلوج من جميع الاتجاهات.

ولكن هذه المحاولات البدائية «كإشعال الحجر لإضرام النيران للتدفئة» لم تصمد طويلا أمام الأنهار الجليدية، التي سيطرت على العالم في ذلك الوقت، وهكذا تم إضافة إنسان نياندرتال إلى قائمة الضحايا الذين قضوا تحت وطأة العصور الجليدية على مر التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى