ثقافة ومعرفة

صعود «تيك توك».. لماذا تغيَّر المزاج العام؟

مقطع قصير، لا تتعدى مدته دقيقة واحدة، يوثّق لحظة ما، أغنية، رقصة، أو حتى معلومة. هذا هو «تيك توك»، التطبيق الذي يستخدمه مليار مستخدم شهريًا، كخامس أكثر تطبيقات الوسائل الاجتماعية استخدامًا حول العالم. 

ربما يبدو صعود أسهم هذا التطبيق مُفاجئا، لكن الحقيقة هي أنّ هذه الحالة من الزخم الذي يحيط بتطبيق المقاطع المصورة مُبررًا؛ لأنه ببساطة يتناسب مع المزاج العام للبشر. عبارة صادمة، صحيح؟ 

«تيك توك».. من العدم

تيك توك
متوسط استخدام تطبيقات التواصل شهريًا.

حتى ندرك ماذا نعني بمعدّل نمو تطبيق «تيك توك» الصاروخي، ينبغي الإشارة إلى أن عدد مستخدمي التطبيق الذي عرف النور في 2017 يساوي ثُلث عدد مستخدمي تطبيق مثل فيسبوك، ونصف عدد مستخدمي انستجرام وأكثر من خمسة أضعاف مستخدمي تويتر. 

طبقا لأحد النفسيرات، فالتطبيق الذي نشأ نتيجة لدمج تطبيق «Douyin» الصيني وتطبيق «Musical.ly» في 2017، يُعرِّف نفسه للعالم تحت عنوان عريض وهو «وجهة مقاطع الفيديو القصيرة على الهواتف المحمولة». هذا العنوان الُمحدد، جعل «تيك توك» ينطلق في رحلته الصاروخية أثناء فترة اجتياح فيروس كورونا أواخر عام 2019؛ حيث أصبحت الهواتف المحمولة صديقا حقيقيا لمعظم البشر. 

حسب المختصين، يُعتقد أن السبب الأهم في تزايد أعداد مستخدمي هذا التطبيق تحديدًا مقارنة بغيره يرجع بالأساس للخوارزميات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي يعتمد عليها عمل تيك توك؛ لأن هذه الخوارزميات تضمن حبس المُستخدم داخل التطبيق أمام محتواه المُفضل، وفقا لتفضيلاته، بصورة لا نهائية تقريبًا. 

لمن؟ وكيف؟ 

تيك توك
سمات الجيل زد

لبناء أي خطة عمل ناجحة لبيع أي منتج، ربما تدور الأسئلة الأهم حول هويّة «الزبون» وكيفية إقناعه بشراء المنتج. إذا ما اعتبرنا «تيك توك» منتجًا، فمن يشتريه؟ وكيف يمكننا أن تقنعه بشرائه؟ هذه هي الأسئلة التي أجاب عليها القائمين على هذا التطبيق  ببراعة. 

تخبرنا آخر التقديرات الإحصائية أن النسبة الأكبر من مستخدمي تيك توك (40%) تتراوح أعمارهم ما بين 18 عاما و24 عاما. هذه المعلومة تضعنا أمام إجابة الأسئلة أعلاه، وهي باختصار تلبية متطلبات «الجيل زد». 

إن كنت لا تعرف، فالجيل زد هو الأشخاص الذين ولدوا بين عامي 1995 و2009، وهم حاليًا يشكلون النسبة الأكبر من سُكان عالمنا بنسبة تقترب من 30%. 

 التكنولوجيا كالهواء بالنسبة لأبناء هذا الجيل، لذا فهم أكثر انفتاحا على العالم، تقبلًا لمختلف الأذواق، أكثر عُرضة للإصابة بالملل، والأهم أنهم يفضلون المشاهدة عن القراءة. 

سمات مثل تلك، جعلت من تيك توك وجهة مثالية لهذا الجيل تحديدًا. سؤالًا كان ذلك عن طريق تقديمهم لمحتواهم البسيط السريع الذي لا يحتاج لإعداد من الأساس، أو عن طريق تصفُّح نفس المحتوى الذي يتماشى مع متطلباتهم التي تشبه الرغبة في تناول الوجبات السريعة. 

كيف تغيّر المزاج العام؟ 

صعود تيك توك بدأ عند هذا الجيل، لكنّه ‑للمفارقة- لم يتوقّف، بل انتشر بين مختلف الأعمار بشكل كبير. 

يرى علماء الأعصاب أن الدماغ البشري «بلاستيكي»، بمعنى أنّ استجابته للمؤثرات الخارجية تتغيَّر مع مرور الوقت. فمثلًا، يبلغ مدى انتباه الفرد في المتوسط من 20 إلى 30 دقيقة، بمعنى أن الإنسان العادي يمكنه أنّ يركز اهتمامه على نشاط واحد لنصف ساعة على أقصى تقدير. 

مع ذلك، وفقًا لدراسة نشرتها مجلة «Nature» في 2019، يتضاءل هذا المتوسط مؤخرًا. والسبب بديهيًا هو حجم المعلومات الضخم الذي يستقبله العقل البشري في عصر ما بعد الانترنت، ليصبح بالنسبة لمواليد الجيل زد 8 ثوانٍ في المتوسط. 8 ثوان فقط هي المدة التي يجب أن تجذب انتباهه خلالها. لهذا يبدو تطبيق تيك توك مثاليًا. 

لماذا تيك توك؟ 

تيك توك
الإنترنت سبب تراجع مدى الإنتباه.

وفقا للدكتورة سنام حفيظ، أخصائية علم النفس العصبي، يبدو تيك توك مثاليًا للمزاج العام لسبب وجيه، في الواقع حين يبدأ أي شخص في تصفح المقاطع بهذا التطبيق ، فهو يسعى بالأساس لتحصيل جرعة كافية من الدوبامين. 

بمجرد الانتظار لثوانٍ معدودة، يدرك الدماغ إذا ما كان هذا المحتوى الذي أمامه يستحق المشاهدة أم لا، وبسحبة إصبع بسيطة تنتقل إلى المقطع الذي يليه بحثًا عن الجرعة التي تريد. وهذا بالتأكيد يختلف تمامًا مع طريقة كل منصات المقاطع المصورة الأخرى التي قد يستغرق تحديد إعجاب المتلقي لمحتواها من عدمه وقتا أطول. 

حقيقة، يُتهم تيك توك أنّه أحد الأسباب التي جعلت متوسط مدى الإنتباه عند الشباب يتضاءل، لكن المؤكد هو أنّ كل ما حدث هو أنّ هذا التطبيق استغل العصر الذي نعيشه أفضل استغلال. ذلك العصر الذي يتغذى على الوجبات السريعة، المعلومات المنقوصة والمقاطع القصيرة. 

المصادر: 

 

١- الصعود المذهل لـ«تيك توك» 

٢- قائمة  أفضل 10 مواقع ومنصات للتواصل الاجتماعي في 2022

٣- التركيبة العُمرية لمستخدمي «تيك توك» 

٤- خصائص وسمات «الجيل زد»

٥- كيف غيّر «تيك توك» لعبة الوسائط الاجتماعية بخوارزميته الفريدة؟ 

٦-هل يدمر «تيك توك» مدى الانتباه؟ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى