عمر صابر يكتب: برشلونة على حافة الهاوية.. ولابورتا يسابق الزمن من أجل ميسي

العودة إلى مكتبك بعد منافسة شرسة من أجل الفوز بالمقعد الرئاسي، من المفترض أن تكون أسعد لحظات حياتك بعد نجاحك في الفوز بالانتخابات والعودة إلى رئاسة واحد من أكبر أندية العالم.

للأسف لا يكون الوضع الظاهر دائما هو الحقيقة، لقد كان تصريح لابورتا الأول بعد عودته إلى برشلونة: «لم أتوقع أن الأمر بهذا السوء، ‏لقد تفاجأت بكارثة بعد عودتي إلى برشلونة» ‑متحدثًا عن أزمة الديون- بالتأكيد أن الجميع من الخارج كان يعلم أن برشلونة يعيش أزمة كبيرة ولكن الوضع من قرب أسوأ كثيرًا، تستطيع بعد قراءة بعض التقارير فقط أن تُدرك أنهم على وشك الانهيار الكامل.

الوضع الراهن في برشلونة

برشلونة الآن يحتاج إلى بيع بعض اللاعبين أصحاب الأجور العالية مثل جريزمان وفيليب كوتينيو وعثمان ديمبيلي وأومتيتي وبيانيتش، بالإضافة إلى تقليل أجور آخرين ومنهم بيكيه وسيرجيو بوسكيتس من أجل تسجيل ليونيل ميسي والصفقات الجديدة، لقد كشف مسؤولو الدوري الإسباني عن احتياج برشلونة إلى تخفيض أجورهم من 374 مليون يورو إلى 160 مليون يورو وهو ما يعد أقل من نصف أجور الموسم الماضي، وكان سقف رواتب برشلونة منذ موسمين فقط قد وصل إلى 671 مليون يورو، وعلى الرغم من تصريح تيباس رئيس رابطة الدوري الإسباني عن رغبته في بقاء ميسي في الدوري إلا أنه أكد كذلك أن الفريق الكتالوني لن يحصل على استثناء ولن يسجل العقود والصفقات الجديدة بدون تخفيض 40% من رواتبهم، وأبدى ميسي استعداده لتقاضي نصف راتبه فقط إلا أن ذلك لن يكون كافيًا أبدًا لحل المشكلة.

تمكن برشلونة من بيع فيربو إلى ليدز يونايتد وتوديبو إلى نيس الفرنسي وإعارة ترينكاو إلى ولفرهامبتون بالإضافة إلى بيع أكيمي وتسريح لودوفيت رايس وميراندا وماثيوس فرنانديز ومونشو ولكن هذا لم يحدث فارقًا كبيرًا، عرض الفريق الكتالوني على أومتيتي وبيانيتش الخروج مجانا ولكن كلا اللاعبين متمسك بالبقاء من أجل الحصول على أجورهم في حال الفشل في إيجاد فريق جديد، حاول برشلونة بيع كوتينيو وعثمان ديمبيلي ولكن لا يوجد مشترين لذلك اتجهوا إلى بيع أنطونيو جريزمان.

وعلى الرغم من كون اللاعب الفرنسي جريزمان أكثر نجاحًا منهم إلا أنه لا يوجد الكثير من الأندية على استعداد لضمه خصوصًا مع راتبه العالي، ومع محاولة برشلونة بيعه أو إدراجه في صفقة تبادلية مع أتلتيكو مدريد الذي يعرف بحجم الكارثة التي يعاني منها الفريق الكتالوني لذلك يحاول فرض شروطه وهو ما يصعب المهمة، وما بين السعي لتخفيض الأجور وتسريح بعض اللاعبين وبيع آخرين وبين محاولة إدراج الصفقات الجديدة وعقد ليونيل ميسي الجديد يحتاج لابورتا إلى إنهاء كل ذلك قبل 15 أغسطس وهو موعد بداية الموسم الجديد.

السبب في بداية أزمة الديون والرواتب

لنعود قليلًا إلى أصل الأزمة وما قبل بداية فيروس كورونا، لقد كانت سياسة جوسيب بارتوميو رئيس برشلونة السابق كارثية وخصوصًا بعد رحيل نيمار المفاجئ إلى باريس سان جيرمان، لقد ألقى مسؤولو فريق العاصمة الفرنسية حقائب من الملايين لنادي برشلونة على العلن وأمام الكاميرات بعد أن أخذوا ثاني أفضل لاعب في الفريق الكتالوني لتصبح تلك الحقائب مطمعا لجميع الأندية الأوروبية ولنجوم الفريق الكتالوني من قبلهم.

لقد كانت حقائب ملعونة على الفريق الكتالوني، حقائب جاءت بالخراب على بطل الدوري، تحرك جوسيب بارتوميو بعدها باحثًا عن بديل لنيمار ولكن كان الجميع يعرف بشأن تلك الحقائب والتي تصل قيمتها إلى 222 مليون يورو، حاول بارتوميو ضم فيليب كوتينيو لاعب فريق ليفربول ولكنه تفاجأ بعدم رغبتهم في البيع وتقييمهم المبالغ فيه لسعر اللاعب، وكان الأمر على نفس النحو مع مسؤولي بوروسيا دورتموند بشأن عثمان ديمبيلي إلا أن الفريق الألماني كان أكثر استعدادًا للتخلي عن موهبتهم.

في النهاية حصل برشلونة على كوتينيو وعثمان ديمبيلي ولكن بمبالغ رواتب فلكية بعد تعقد المفاوضات وحدوث العديد من المشاكل ومن بعدهم بموسمين أنطونيو جريزمان بعد دفع قيمة كسر عقده، عمل بارتوميو على تجديد عقود نجوم الفريق ورفع مبالغ كسر عقودهم لتجنب تكرار ما حدث مع نيمار ولكنه رفع سقف رواتب كثيرًا غير مكترث بعواقب ذلك، بالطبع كونك تحصل على أرباح هائلة يجعلك لا تفكر كثيرًا في عواقب أفعالك ولكن في ليلة وضحاها تغير كل شي، كانت أزمة فيروس كورونا بمثابة إزالة للساتر الذي يحمي بارتوميو من نتائج تصرفاته الإدارية الكارثية ليجد الفريق الكتالوني نفسه على حافة الهاوية.

بعيدًا عن المشاكل المالية كانت هناك مشاكل أخرى واجهتها إدارة برشلونة خارج الملعب نتيجة أفعالهم السيئة أبرزها توظيف شركات لتوجيه الانتقادات إلى اللاعبين على حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى ذلك خرج برشلونة بموسم صفري وخرج الفريق الكتالوني من دوري الأبطال بعد هزيمة ثقيلة أمام بايرن ميونيخ بنتيجة 8–2 وهو ما جعل ميسي ينفجر ويرفض التعامل مع بارتوميو ويطلب الخروج، وما بين كارثة مالية وفشل الصفقات وموسم صفري ورفض ميسي التجديد وطلب الخروج حصد بارتوميو وإدارته نتيجة أفعالهم، حيث جمع الأعضاء توقيعات لحملة سحب الثقة من الإدارة لأول مرة في تاريخ برشلونة تبعتها استقالة بارتوميو من رئاسة النادي.

خسائر وديون برشلونة الإجمالية

لقد حقق الفريق الكتالوني خسائر إجمالية بلغت 350 مليون يورو من إيراداتهم خلال الوباء، وتمثل رواتب برشلونة الحالية 110% من مداخيل النادي، ويعتمد الدوري الإسباني على نظام شبيه باللعب المالي النظيف ولكنه يعتمد على تحديد سقف الرواتب قبل بداية الموسم وليس في نهايته ويأتي ذلك بناء على مجموعة من الحسابات تشمل سلم الرواتب ومداخيل النادي وأرباحه وصفقات البيع وشراء، وتبلغ إجمالي ديون برشلونة في الوقت الحالي 1173 مليون يورو، وعلى الرغم من حصولهم على قرض بقيمة 525 مليون يورو إلا أن ذلك لم يحل مشاكل الفريق المالية بالكامل، وكشف تيباس رئيس رابطة الدوري الإسباني أن برشلونة يحتاج إلى توفير 3 ملايين يورو مقابل كل مليون يورو سيتم صرفه، أي أن في حال صرف برشلونة 50 مليون في صفقات الانتقالات هذا الموسم يحتاج إلى توفير 150 مليون.

في المخطط التالي يتضح كيف ارتفع سقف الرواتب في برشلونة وريال مدريد في السنوات الأخيرة قبل أن تحصل أزمة فيروس كورونا التي وضعت الفريقين في مأزق، لقد وصلت رواتب برشلونة إلى 671 مليون يورو، بينما وصلت رواتب ريال مدريد إلى 641 مليون يورو، في حقيقة الأمر لم يكن برشلونة وريال مدريد فقط من ارتفعت فاتورة أجورهم حيث إن كل الأندية ارتفعت أجورهم ومنهم ليفربول الذي وصلت رواتبه في 2019 إلى 310 ملايين بعد أن كانت 109 ملايين فقط في عام 2012.

عالج ريال مدريد الأمر ببيع العديد من النجوم في آخر سنتين أبرزهم سيرجيو ريجيلون وأشرف حكيمي وثيو هيرنانديز والتخلص من رواتب سيرجيو راموس الذي رحل إلى باريس والآن يقترب فاران من اللحاق به لذلك عاد الأمر عليهم بالنقع بامتلاك سقف رواتب يصل إلى 300 مليون يورو للموسم المقبل، وعلى الجانب الآخر يتجه برشلونة إلى حافة الهاوية بسبب تمسكهم ببقاء ميسي ولاعبي اللاماسيا بيكيه وسيرجيو بوسكيتس وجوردي ألبا وسيرجي روبيرتو، ويفشل الفريق الكتالوني في بيع الصفقات التي لم تقدم المطلوب منها مثل جريزمان وكوتينيو وعثمان وحتى الآن لن ينجح تسريح أومتيتي وبيانيتش بشكل مجاني!

سبل حل الأزمة المالية لتسجيل ميسي والصفقات الجديدة

يعتمد الآن برشلونة على بيع جريزمان من أجل حل مشاكله المالية، ربما لا يكون جريزمان من أكثر اللاعبين تقاضيًا للرواتب ولكن خروجه سيوفر 20 مليون يورو، ولكن المشكلة هنا تكمن في عدم وجود مشترين وأن الفريق الوحيد الذي يرغب جريزمان في العودة إليه والذي تحرك بالفعل من أجل ضمه هو أتلتيكو مدريد ولكنه يسعى إلى فعل ذلك بشروطه كونه يعلم أن برشلونة في أمس الحاجة للتخلص من اللاعب، تبدو صفقة بعيدة حتى الآن ولكن لا يزال هناك متسع من الوقت لإنهاء الصفقة.

وعلى الجانب الآخر اتفق برشلونة مع العديد من اللاعبين على تخفيض رواتبهم أبرزهم بيكيه وسيرجيو بوسكيتس وتير شتغين ولنغليه ولكن يظل هناك بعض الأصوات التي قد ترفض تخفيض رواتبهم لعل أبرز من يتوقع أن يرفض هذا الأمر هو جوردي ألبا، وكان قد لمح لابورتا إلى أن النادي في أزمة مالية خانقة وأن الأمر قد يصل إلى المحاكم بين النادي ولاعبيه في حال رفضوا تخفيض رواتبهم.

بالإضافة إلى ذلك يحاول برشلونة الآن بيع مجموعة من اللاعبين أبرزهم نيتو وإيمرسون ولينجليه وديست، والنادي كذلك على استعداد لترك بيناتيش وأومتيتي يرحلون مجانًا مقابل استغنائهم عن رواتبهم، لا يملك لابورتا في يده العديد من الحلول لأن الأزمة المالية تحتاج إلى حلول سريعة والأندية جميعها تركز في شراء احتياجاتها بالتحديد، يحتاج برشلونة إلى إيجاد حل قبل 15 أغسطس موعد بداية الموسم الجديد من الدوري الإسباني.

ربما قد يكون الحل الأخير هو حدوث أمر مفاجئ من جانب رابطة الدوري الإسباني بالسماح لبرشلونة ببعض الاستثناءات لتسجيل الصفقات الجديدة ومن بينهم عقد ليونيل ميسي الجديد، ربما يكون الأمر مستبعدًا حاليًا نتيجة تصريح تيباس بعدم وجود نية لتقديم أي استثناءات للفريق الكتالوني إلا أن احتمالية خسارة ميسي أهم وجه إعلامي في الدوري الإسباني قد تجعله يتراجع عن قراره خصوصًا مع هبوط قيمة الدوري التسويقية في السنوات الأخيرة أمام الدوري الإنجليزي.

الأمر أشبه بالكارثة على خوان لابورتا، الأمر وكأنك ترتدي حزاما ناسفًا والجميع يعلم بذلك وتطلب منهم المساعدة، المشكلة هنا أن الحلول ليست في يدك وحدك، الحلول في أيدي لاعبي برشلونة الذين يجب أن يوافقوا على تخفيض الرواتب وعلى أتلتيكو مدريد الذي يتأمل برشلونة في شرائه لجريزمان وعلى أومتيتي وبيانيتش الذي يريد النادي التخلص من رواتبهم وعلى الاتحاد الإسباني الذي قد يحتاج منه الكتلان إلى بعض الإمتيازات الاستثنائية لتجاوز الأزمة.

لا أحد يعلم كيف ستسير الأمور وكيف سيتم تسجيل الصفقات الجديدة وليونيل ميسي ولكن الأيام تمر وفي حلول الخامس عشر من شهر أغسطس سيكون كل شيء قد أصبح واضحًا بالكامل، لابورتا في اختبار هو الأصعب في تاريخ برشلونة الحديث.

 

إخلاء مسؤولية: المحتوى في قسم الآراء والمساهمات لا يعبر عن وجهة نظر الموقع وإنما يمثل وجهة نظر صاحبه فقط، ولا يتحمل الموقع أي مسؤولية تجاه نشره.