ثقافة ومعرفة

الخدعة المثالية.. كيف زرع أطفال جهاز تنصت داخل مكتب السفير الأمريكي؟

انتهت الحرب العالمية الثانية بانهيار ألمانيا النازية، وتدمير البنية التحتية لليابان عقب سقوط القنبلتين الذريتين «هيروشيما وناجازاكي» على أراضيها بواسطة الولايات المُتحدة الأمريكية، واندثار إيطاليا الفاشية التي قادها موسوليني للهاوية، ليتم إعلان النتيجة الضمنية للحرب بانتصار الحلفاء بقيادة جوزيف ستالين (الاتحاد السوفييتي)، وفرانكلين روزفيلت (الولايات المتحدة الأمريكية) ووينستون تشرشل (المملكة المتحدة البريطانية).

كبدت هذه الحرب البشرية خسارة نحو 70 مليون إنسان ما بين مدني وعسكري من كلا الجانبين، بعدما استمر القتال الأكثر دموية في تاريخ البشرية طوال 6 سنوات كاملة، بمشاركة من أكثر من 100 مليون مقاتل، ينتمون لنحو 30 دولة.

بعد هذه الحرب أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي قوتين عظمتين متنافستين على قيادة العالم، لينتهي فصل من الصراع، ويبدأ آخر عُرف بالحرب الباردة.

الجاسوسية.. وكيف زرع أطفال جهاز تنصت داخل مكتب السفير الأمريكي؟

الجاسوسية

منذ قديم الأزل؛ لعب التنصت والتجسس دورًا محورًا في الحرب وأيضًا السلام، فقد كان لدى المصريين القدماء كتائب تجسس سرية منظمة، وذكر التجسس بالإلياذة، وقصة العهد القديم، كما أن الفكرة نفسها قد وردت بمؤلفات أحد أهم رجال الحرب الصينيين «صن تزو»، الذي عاش ما بين 544 و496 قبل الميلاد.

بالعودة إلى بداية الصراع الذي طفا على السطح عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبذكر روسيا تحديدا، فيعتقد أن فكرة التجسس قد وُجدت هناك منذ عصر القياصرة الروس، حسب رواية جيمس بوكنان، ممثل الولايات المتحدة بالقيصرية الروسية خلال الفترة ما بين 1832 و1833، حيث روى بوكنان.. «نحن محاطون باستمرار بالجواسيس، لا يمكن توظيف أي شخص إلا وكان عميلا سريا للشرطة».

حقيقةً أجمع عدد كبير ممن عملوا كمبعوثين للولايات المتحدة داخل الاتحاد السوفييتي على نفس الأمر، فوفق تصريح نُسب لنيل براون، الذي مثّل الولايات المتحدة داخل روسيا في بداية الخمسينيات، فجميع ممثلي الدول الأخرى يتعرضون للتجسس، ليسوا هم فقط، بل أيضا أطقم الخدم التي تعمل لديهم.

تطور منطقي

بحلول الثلاثينيات من القرن الماضي، كان التجسس البشري يكمله التنصت التقني مثل التنصت على المكالمات الهاتفية والميكروفونات، ولم يكُن هنالك داعٍ لإخفاء هذه الحقيقة حيث إنه في وقت من الأوقات، تم إعطاء الضيوف بمقر إقامة السفير الأمريكي في موسكو بطاقات ترحيب تحذرهم أن كل غرفة يتم مراقبتها من قبل KGB وجميع الموظفين هم موظفون في KGB.

خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تم اكتشاف الميكروفونات المخفية بانتظام، لكن كان هناك أحد الأجهزة التي ظلت صامدة لو تكتشف لمدة 7 سنوات، كان جهاز الاستماع المتطور للغاية المسمى «الشيء».

الجاسوسية.. وكيف زرع أطفال جهاز تنصت داخل مكتب السفير الأمريكي؟

لم يكن يحتوي «الشيء»، على مصدر طاقة خاص به ولا أي أسلاك، وبدلاً من ذلك، كان الجهاز يعمل عبر إشارة لاسلكية قوية من الخارج، وبمجرد التفعيل، يلتقط الجهاز الموجات الصوتية ويعدل موجات الراديو التي أطلقتها، ويرسلها مرة أخرى إلى الجهات المعنية.

ما هو هذا الشيء؟

الشيء هو أداة كانت من بنات أفكار ليون ثيرمين، المخترع السوفييتي، الذي اشتهر في عشرينيات القرن الماضي باختراعه لآلة موسيقية تحمل إسمه الـ«ثيرمين».

الجاسوسية.. وكيف زرع أطفال جهاز تنصت داخل مكتب السفير الأمريكي؟

بعد عقدين من الزمن، كان ليون قد تم اعتقاله داخل سجن شاراسكا، الذي تم استخدامه كمختبر سري للنظام، آنذاك، ابتكر ثيرمين نظاما للتنصت يدعى «بوران»، الذي عدّ النموذج الأولى لما يعرف بميكروفون الليزر حاليا، حيث كان يعمل على اكتشاف اهتزازات الصوت عبر استخدام الأشعة تحت الحمراء منخفضة الطاقة.

بالعودة للـ«شيء» فهو ميكروفون تنصت يعمل بنفس فكرة الـ«بوران»، حيث يتم إخفاؤه داخل صندوق خشبي، يستقبل الترددات ضعيفة الشدة، من ثم يحولها عبر هوائي دقيق إلى الجهات المعنية بالتجسس.

خدعة مثالية

بالعودة مجددًا لما أطلق عليه الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، وتحديدًا في عام 1946، قدمت مجموعة من أطفال المدارس السوفيتية من منظمة Young Pio­neer للسفير الأمريكي لدى الاتحاد السوفيتي، وليام هاريمان، نسخة خشبية منحوتة من الختم العظيم للولايات المتحدة، كعربون تقدير وصداقة وتضامن لتحالفهم في الحرب العالمية الثانية، وكوعد لاستمرار هذه الصداقة على المدى الطويل.

الجاسوسية.. وكيف زرع أطفال جهاز تنصت داخل مكتب السفير الأمريكي؟

قبل السفير الأمريكي هدية الأطفال، وتم تعليق الهدية التي تبدو بريئة وغير ضارة في مكتبه داخل مقر إقامة السفير في موسكو، حيث بقي في منصبه لمدة 7 سنوات حتى حان موعد تعيين السفير الجديد، وبعد القيام بعمليات بحث شاملة وموسعة لتأمين المنزل لاستقبال الضيف القادم من الولايات المتحدة، تم اكتشاف أن التذكار الذي يبدو بريئا ‑ظاهريا- كان أكثر من مجرد زخرفة.

لقد كان خدعة زرع بها السوفييت في مكتب السفير أحد أكثر أجهزة الاستماع سرية على الإطلاق، نعم، كانت الهدية التي قدمها الأطفال عبارة عن جهاز تصنُّت، لقد كانت ذلك الـ«شيء».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى