الصحة النفسية

الشخصية التجنبية.. حينما تفضل نار العزلة على جنة الصحبة

هل تشعر بأنك دائم الخوف من الرفض أو الانتقاد، بحيث تتجنب البشر في ظل إحساسك بعدم الكفاءة؟ ربما تعاني من أعراض الشخصية التجنبية، التي تعرقل مسيرة صاحبها في الحياة لأبعد الحدود.

الشخصية التجنبية في علم النفس

تصنف تلك الشخصية بأنها واحدة من اضطرابات الشخصية النفسية، والمعروفة باسم اضطراب الشخصية الاجتنابي، حيث يعاني صاحبها من نمط حياة لا يتغير مهما طال الزمن، فيما يبقى تجنب كل التحديات المحيطة به هو الخيار الأسلم لها.

يعاني نحو 2.5% من البشر من أعراض هذا الاضطراب المزعج، حيث تتسم هذه الشخصية في علم النفس بالخجل الشديد والحساسية تجاه الانتقاد، لتندرج تحت قائمة الفئة الثالثة من اضطرابات الشخصية، والتي تعرف بالقلق الزائد والتخوف الواضح.

أعراض الشخصية التجنبية

الشخصية التجنبية
عزلة الشخصية التجنبية

يعتبر التجنب هو أسلوب حياة تلك الشخصية، فما بين الخوف من الانتقاد والإحساس بالدونية، تميل تلك الشخصية إلى الابتعاد عن كل التحديات ليتمثل سلوكها ومشاعرها في التالي:

  • تجنب الخلافات مع البشر الآخرين والسعي دائمًا إلى إرضائهم.
  • القلق الشديد من احتمالية ارتكاب الأخطاء بالقول أو الفعل.
  • تجنب التفاعل مع الزملاء في العمل، وربما رفض الترقيات إن أتيحت الفرصة.
  • الخوف من التواجد وسط حشد كبير من الغرباء.
  • تجنب اتخاذ القرارات مهما كانت شخصية ومهما بدت سهلة وغير معقدة.
  • سهولة الإحساس بالأذى النفسي عند سماع كلمات الانتقاد ومهما كانت بسيطة وودية.
  • تجنب العلاقات المقربة والودية خوفًا من التعرض للرفض.
  • الشعور بعدم الكفاءة الشخصية مقارنة بالآخرين.
  • الميل إلى العزلة وعدم التمتع بصداقات واضحة المعالم.
  • تجنب التجارب الجديدة، والخوف الشديد من القيام بأي مخاطرة وحتى إن كانت شبه مضمونة العواقب.
  • ضعف الثقة بالنفس وعدم الرضا الكامل عن الذات.
  • سوء فهم المواقف المحيطة ورؤيتها دائمًا من منظور سلبي.

اختبار الشخصية التجنبية

يؤكد خبراء علم النفس أن اضطراب الشخصية السلبية لا يمكن تشخيصه إلا من خلال طبيب مختص، رغم وضوح أعراضه بشكل نسبي، إذ لا يمكن الربط بينها وبين معاناة الأطفال مثلًا من الخجل الشديد الذي يبقى طبيعيًا لدى الصغار في ظل تطورهم بمرور الوقت، فيما يمكن التشكك في معاناة المرء من الشخصية التجنبية إن مر بـ4 من المواقف التالية:

  • الهرب من حضور المناسبات الاجتماعية التي تتطلب التحدث مع الآخرين، إما خوفًا من الرفض أو الانتقاد.
  • عدم الرغبة في التواجد وسط البشر إلا عند التأكد من أنهم لا يحملون إلا المشاعر الودية.
  • سيطرة هاجس الخوف من التعرض للإحراج أو تقليل الشأن، بدرجة تدفع الشخصية السلبية إلى الابتعاد عن العلاقات بأنواعها.
  • الإحساس الداخلي بالغرابة وعدم التشابه مع الآخرين، بدرجة شديدة السلبية.
  • التخوف الشديد من الظهور في صورة تدعو للسخرية، لتصبح عدم المخاطرة في أي شيء هي الخيار المضمون.

أسباب المعاناة من الشخصية التجنبية

الشخصية التجنبية في علم النفس
معاناة الشخصية التجنبية

لا يمكن الجزم بوجود سبب محدد وراء معاناة البعض من الشخصية شديدة السلبية، إلا أن هناك بعض العوامل المؤثرة وراء ظهور ملامح تلك الشخصية مثل:

طرق التربية

تبدو فرص معاناة الإنسان من سمات الشخصية التجنبية مرتفعة، عند عدم تلقي الرعاية الطبيعية من الأبوين في عمر الطفولة، وسواءً تمثل ذلك في تلقي الانتقادات بلا توقف أو التجاهل من الأساس.

الإيذاء النفسي

من الوارد أن يؤدي التعرض إلى إيذاء نفسي شديد، وخاصة في مرحلة الطفولة، إلى تكوين الشخصية التجنبية التي تقرر الابتعاد عن العالم الخارجي، خوفًا من التعرض لنفس الصدمة من جديد.

الرفض من الآخرين

كذلك يعتبر تعرض الطفل الصغير للرفض من جانب الأطفال الآخرين، من أبرز عوامل تنشئة الشخصية التجنبية التي تلجأ للعزلة هربًا من احتمالية المرور بنفس تجربة الرفض المؤلمة فيما بعد.

الخجل الشديد

بالرغم من أن المعاناة من الخجل في عمر الطفولة لا تعني ضرورة المعاناة من اضطراب الشخصية الاجتنابي في الكبر، فإن نسبة ليست بالقليلة من الحالات التي لم يعالج فيها الخجل المرضي لدى الأطفال، تصبح تجنبية السلوك مع البلوغ.

المرض النفسي

ترتبط الشخصية التجنبية في علم النفس ببعض الأمراض النفسية التي تؤثر على بعضها البعض بصورة سيئة، ومن بينها اضطراب القلق الاجتماعي واضطراب الشخصية الاعتمادية واضطراب الشخصية الحدية، إضافةً إلى مرض الاكتئاب ورهاب الخلاء الذي يؤدي لشعور المريض بالهلع إن شعر بقلة الحيلة وعدم توفر المساعدة في الوقت المطلوب.

العوامل الوراثية

بينما يمكن لبعض الأمراض النفسية أن تؤدي لظهور الشخصية التجنبية، فإن العوامل الوراثية التي تساهم أحيانًا في معاناة البعض من الاضطرابات النفسية لها دور أيضًا في تنشئة تلك الشخصية، مع الوضع في الاعتبار أن معاناة الأب أو الأم من اضطراب الشخصية الاجتنابي لا يعني ضرورة معاناة الابن والعكس.

علاج الشخصية التجنبية

تكمن الأزمة الحقيقية في حرص الشخصية التجنبية حتى على تجنب خوض تجربة الذهاب للطبيب النفسي، إذ تبدو فرص اتخاذ تلك الخطوة متوفرة فقط إن مر الشخص بمشكلة حياتية تتطلب العلاج، أو عانى من الاكتئاب أو القلق المرضي، فيما يقرر عدم استكمال العلاج فورًا إن نجح في حل تلك المشكلة.

جلسات التحليل النفسي

يخضع الشخص المصاب بمرض اضطراب الشخصية التجنبية إن وافق على تلقي العلاج، إلى جلسات العلاج بالتحليل النفسي، والتي تعد الأنسب له، نظرا لأنها تحدد في البداية الأفكار التي طبعت منذ سنوات طويلة في ذهن المرء عن نفسه وعن كيفية نظر الآخرين له دون أن يلاحظ، قبل أن تساعده على التطور عمليًا واجتماعيًا.

العلاج النفسي الديناميكي

من الوارد أن يخضع المريض إلى جلسات العلاج النفسي الديناميكي تحديدًا، والتي تساعده على معرفة ما يدور داخل اللاوعي الخاص به، كما توضح له كيفية تأثير مواقف قديمة على سلوكياته الحالية، ما يدعم المريض في رحلة الشفاء من الجروح النفسية التي بقيت لسنوات دون مداواة.

العلاج السلوكي المعرفي

يبدو العلاج السلوكي المعرفي أيضًا من وسائل علاج اضطراب الشخصية الاجتنابي، حيث يعمل الطبيب على فضح أفكار المريض الخاطئة واعتقاداته المشوهة عن نفسه أو عن الآخرين، قبل أن يستبدلها بأخرى صحية وبلا أي أضرار ذهنية.

الأدوية العلاجية

في بعض الحالات، يصف الطبيب له بعض الأدوية العلاجية، فبالرغم من أنه لا توجد علاجات دوائية مخصصة لاضطرابات الشخصية، فإن أدوية الاكتئاب على سبيل المثال قد تقلل من أعراض الأزمة إن كان المريض يعاني من القلق المرضي أو من الاكتئاب نفسه.

كيفية التعامل مع الشخصية التجنبية

الشخصية التجنبية
دعم الشخصية التجنبية

إن بدا أحد الأشخاص المقربين منك يعاني من سمات الشخصية التجنبية السلبية، فإن التعامل معه بخطوات مدروسة قد يساعده في ظل الخضوع للعلاج النفسي على تخطي الأزمة، وعبر الخطوات التالية:

  • مساعدة هذا الشخص على التواجد وسط البشر الآخرين، ولكن بصورة تدريجية ومن دون استعجال النتائج.
  • محاولة إخبار الأشخاص المحيطين بحالة تلك الشخصية إن أمكن، ليقدموا الدعم المطلوب.
  • تجنب السخرية حتى لو من باب المداعبة، وعدم التقليل من شأن أزمات الشخصية التجنبية، التي حتى إن أدركت عيوبها بشكل كامل فإنها تفشل في تجاوزها.
  • الحرص عند توجيه الانتقادات، حيث يفضل تجنب ذلك أو على الأقل ذكر تلك السلبيات بين مجموعة إيجابيات.
  • تحفيز الشخص عند القيام بأبسط الخطوات، حيث تعد تلك الخطوات مخاطرات عظيمة الشأن بالنسبة له.

في كل الأحوال، سواء كنت قادرًا على دعم شخص تعرفه يعاني من سمات الشخصية التجنبية أو لا، فإن أفضل ما يمكن القيام به هو تحفيزه على زيارة الطبيب المختص، والذي وإن نجح في اكتشاف الأسباب، فإنه يتوصل فورا للعلاج.

بواسطة
مصدر 2
المصدر
مصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى