الصحة النفسية

الشخصية السفسطائية.. والفرق بينها وبين الفيلسوف

هل تضطر أحيانًا لمناقشة شخص لا يهتم باستكشاف الحقيقة بقدر اهتمامه بخروجه منتصرًا من الحديث عبر حجج خاطئة أو أساليب جدالية مماطلة؟ هكذا تبدو الشخصية السفسطائية، والتي إن امتلكت بعض المميزات فإنها تلجأ إليها لأغراض خبيثة، كما نوضح في تلك السطور.

معنى كلمة سفسطائية

لا تعد السفسطائية وليدة اليوم أو الأمس القريب، بل ظهرت للمرة الأولى في القرن السادس قبل الميلاد عبر اليونانيين القدماء، باعتبارها تعني الحكمة، حيث نظروا لمذهب السفسطائية الفلسفي باعتباره وسيلة الدفاع عن الضعفاء بالحجة والذكاء.

بدا تعريف السفسطائية في هذا الوقت شديد الإيجابية، إلا أن تطوره بمرور الوقت كان سلبيًا بوضوح، نظرًا لأن أصحاب هذا الفكر صاروا غير مهتمين إلا باحتراف البلاغة والخطابة، من أجل إقناع الآخرين بأفكارهم، سواء باستخدام معلومات صادقة أو عبر اللجوء لحجج واهية.

اتجهت الأمور للأسوأ في ظل تجاهل السفسطائيين للعلوم المختلفة، حيث صار التركيز على كيفية الجدال لكسب المواقف، بل وتقرب بعضهم من الأثرياء لتعليم ذويهم مقابل حصد الأموال، الأمر الذي يبدو منطقيًا في عصرنا الحالي، لكنه كان أشبه بوصمة العار في زمن الإغريق.

الفرق بين الفيلسوف والسفسطائي

الشخصية السفسطائية
الفرق بين الفيلسوف والسفسطائي

لم يرض الحكماء في اليونان القديمة، بما آلت إليه الأوضاع على يد السفسطائيين، والذين شوهوا معنى السفسطائية بعد أن كانت تدل على الحكمة ونصرة الضعفاء، لذا سعى هؤلاء الحكماء إلى الكشف عن الفرق بين الفيلسوف والسفسطائي بشتى الطرق.

أوضح الإغريق الحكماء أن الفلاسفة هم الأشخاص الذين يبحثون عن الحقيقة فقط، حيث يعتمدون على المعلومات الصادقة ووجهات النظر المنطقية لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في تنوير العقول، وليس بغرض كسب الأموال.

يبدو السفسطائي من وجهة نظر فلاسفة اليونان القديمة، أشبه بالنقيض الواضح لكل ما سبق، حيث يمكنه القيام بأي شيء من أجل تحقيق أهدافه الخبيثة، بل ولا يجد أزمة في الكشف عن وجهة نظر معينة إن بدت مفيدة له، قبل أن يغيرها بكل أريحية في اليوم التالي لتحقيق غاية أخرى.

الشخصية السفسطائية

بالرغم من مرور قرون طويلة على ظهور واختفاء السفسطائيين باليونان القديمة، إلا أن منهجهم صار ملحوظًا بين بعض من البشر، والذين يعتبرون من أصحاب الشخصية السفسطائية، سواء أدركوا ذلك أم لا.

تتسم الشخصية السفسطائية في عصرنا الحالي، برؤية النقاشات باعتبارها تحديات يجب الانتصار فيها بكل الطرق، بل تبدو أحيانًا مثل الحروب التي يمكن اللجوء خلالها لأسوأ الخدع لتحقيق مكسب زائف.

لا تتردد الشخصية السفسطائية إذن قبل الاعتماد على معلومات مغلوطة أو وقائع وهمية، فقط لتكشف للآخرين عن صحة حججها، وهو أمر يؤدي إلى عقم الجدال معها، حتى وإن بدت لوهلة على قدر عالٍ من العلم والثقافة.

أسوأ صفات الشخصية السفسطائية

الشخصية السفسطائية
صفات الشخصية السفسطائية

يكشف تعريف الشخصية السفسطائية عن قدر الإزعاج الذي تتسبب فيه للآخرين عند مجرد التحدث، وخاصة وأنها تتمتع بصفات تعبر عن طبيعتها السلبية، وتتمثل في:

المغالطة

يملك صاحب الشخصية السفسطائية قدرة فائقة على المغالطة، عند إبداء الآراء والنقاش بشأن أي أزمة عامة كانت أو خاصة، حيث يبحث عن إثبات صحة ما يقول، حتى وإن كان ذلك عبر تحريف المواقف أو خلط الأمور، ليبدو منتصرًا أمام الجميع.

إطلاق الأحكام

بينما يعد إطلاق الأحكام على الآخرين من ضمن السمات السلبية، فإن الوضع يصبح أسوأ لدى صاحب الشخصية السفسطائية، والذي يبدو متسرعًا في أحكامه على طول الخط، ظنًا بأنه الشخص الأكثر ذكاء وحكمة، والذي يمكنه اكتشاف طبائع البشر الخفية بمجرد النظر.

الغرور

إن كان الشخص السفسطائي يملك القدرة على التحدث بطلاقة، بل وعلى إقناع الآخرين بوجهات نظره رغم اعتماده على حجج واهية، فإن الغرور يصبح بطبيعة الحال من سمات الشخصية السفسطائية، التي تشعر بأنها أفضل من الجميع، رغم قناعتها الداخلية بأنها تزيف الحقائق فحسب.

الاستغلالية

يعتبر البحث عن استغلال كل الفرص ولو بأسوأ الطرق من سمات الشخصية السفسطائية، التي ظهرت ملامحها في بلاد الإغريق القديمة، إذ حرص المعلمون على تعليم أبناء الأثرياء بعد التقرب منهم، مقابل الحصول على الأموال، وهو أمر لم يكن معتادًا كما ذكرنا من قبل في وقت كان العلم فيه رسالة لا تقدر بثمن، ما يسير على نهجه الآن صاحب الشخصية السفسطائية، والذي يرى المال أو السلطة كهدف أسمى.

عدم التحلي بالقيم

في وقت يتسم فيه الشخص السفسطائي بالاستغلالية المزعجة، وبالرغبة الدائمة في الوصول للأهداف بشتى الطرق، فإن تلك النزعة المكيافيلية المتمثلة في مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، تعني عدم تحلي الشخصية السفسطائية بأي قيم أو مثل عليا يمكن اتباعها، نظرًا لأن تحقيق المراد هو الهدف المتبع فحسب.

نقاط قوة الشخصية السفسطائية

تحظى الشخصية السفسطائية رغم تعدد سلبياتها ببعض الإيجابيات، وإن كانت تلجأ إليها بأسوأ الطرق، ولكنها تكشف في النهاية عن نقاط القوة لديها.

إتقان فن الخطابة

تملك الشخصية السفسطائية مهارة خطابة ملحوظة، حيث يبدو الانطلاق في الحديث بالنسبة لها من الأمور السهلة، والتي تدفعها إلى إرباك الطرف الآخر إن أرادت، وهي السمة التي يمكنها أن تصبح إيجابية إن أحسن الشخص استغلالها، وليس كما كان يحدث في بلاد الإغريق القدماء، حيث كان متقن فن الخطابة يعمل في المحاماة للدفاع عن مرتكبي الجرائم، لأجل كسب الأموال ودون مراعاة لتحقيق العدل.

القدرة على الإقناع

من الوارد أن ينجح الشخص السفسطائي في إقناع الآخرين بفكرة ما، قبل أن يعود في مرة أخرى لينجح في إقناعهم بفكرة مختلفة تمامًا، حيث يبدو الأمر حينها وكأنه يكشف عن مدى تلون تلك الشخصية، لكنه كذلك يعبر عن قدرات الإقناع الفائقة، والتي يمكن استغلالها في عصرنا الحالي بكثير من الوظائف الربحية، ولكن من دون اللجوء للخداع.

العناد

إن كانت صفة العناد تظهر بمعناها السلبي لدى الشخص السفسطائي، والذي لا يقبل بموافقة الآخرين على آرائهم بل ويتخذ من العناد وسيلة للمقاومة، فإن تلك السمة تصبح إيجابية ببعض من التقويم، حينما تعبر عن تمتع الشخص بالجلد والصلابة في مواجهة الأزمات، أو عند تعرض المبادئ الخاصة به إلى محاولات تشويه أو تعديل.

كيفية التعامل مع الشخصية السفسطائية

الشخصية السفسطائية
الإفلات من قبضة الشخصية السفسطائية

يعتبر التعامل مع الشخصية السفسطائية من التحديات الصعبة، التي تتطلب اتباع بعض الخطوات حتى لا نقع تحت سيطرة أغراضهم أو أكاذيبهم التي لا تنتهي.

تجنب الجدال

يعتبر تجنب الجدال مع الشخصية السفسطائية هو الخيار الأفضل والأكثر راحة، حيث يجنبنا احتمالية الوقوع في شباك تلك الشخصية الملتوية، والتي لا تسعى إلا لتحقيق أهدافها ولو على حساب الآخرين.

التركيز على التفاصيل

في حالة الاضطرار إلى التحدث والنقاش مع الشخصية السفسطائية، فإن التركيز على التفاصيل البسيطة يبقى مطلوبًا، إذ يلجأ الشخص السفسطائي إلى سرد المعلومات المغلوطة بطرق مبتكرة لإرباك الطرف الآخر، عبر ذكرها بين معلومات صحيحة أو عبر تحريفها بدرجة بسيطة لكنها مفيدة له، ما يكشف عن ضرورة ملاحظة ما تذكره تلك الشخصية بين السطور أحيانًا.

الهدوء والثقة

يعد إطلاق الأحكام السلبية على الآخرين، من ضمن سمات الشخصية السفسطائية، والتي تتسرع في إقامة المحاكمات العلنية على البشر دون تفكير، الأمر الذي يبدو مزعجًا بشدة للطرف الآخر، ولكنه يحتاج إلى التحلي بالهدوء والثبات، من أجل الرد على المهاترات بالشكل الأمثل، بدلًا من مجاراة تلك الشخصية في جدالها.

في كل الأحوال، تبدو الشخصية السفسطائية بمفهومها الحالي، من أسوأ أنواع الشخصيات التي ينصح بتجنبها إن أمكن، حيث يعد تحقيق الأهداف الشخصية هو الخيار الوحيد أمامها، فيما يصبح الكشف عن الحقائق هو آخر همها.

بواسطة
مصدر 2
المصدر
مصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى