شخصيات مؤثرةملهمات

جيمس هاريسون.. ماذا تعرف عن الأسترالي صاحب الذراع الذهبية؟

يدرك الجميع أن إنقاذ حياة شخص واحد هو عمل بطولي، فماذا إذن عن إنقاذ حياة ملايين الأشخاص وتحديدًا ملايين الأطفال؟ هذا ما قد يجيب عند جيمس هاريسون، بطل أستراليا القومي ذو الذراع الذهبية، والذي كان سببا في نجاة ما يزيد على مليوني طفل من الموت بفضل تبرعاته من الدم.

بداية رحلة جيمس هاريسون

ولد جيمس هاريسون في أستراليا في الـ27 من ديسمبر لسنة 1936، حيث مرت سنوات طفولته بصورة تقليدية حتى مرحلة المراهقة، والتي تعرض خلالها لأزمة صحية مفاجئة في عمر الـ14، تطلبت خضوعه لجراحة عاجلة في الصدر، لكن نجاح العملية المعقدة احتاج إلى ما هو أكثر من وجود الأطباء المهرة.

بدا هاريسون الصغير بحاجة إلى تبرعات بالدم لإنقاذ حياته التي كانت على المحك، ما تحقق له فعليًا عبر تبرعات سخية بالدماء، ساعدت هاريسون على تجاوز أزمته الصحية، قبل أن تحفزه على رد الدين للبشر من حوله، عبر التبرع بدمه بصفة مستمرة.

لم يكن يتوقع جيمس هاريسون حينها أن يكون قراره الملهم بالتبرع بدمه، هو سر شهرته ونجوميته فيما بعد، فبينما كان يذهب بشكل دوري وعلى مدار سنوات، للتبرع للمحتاجين إلى الدم، فوجئ الطبيب الذي قام بفحص دمه بأنه يحتوي على أجسام مضادة بإمكانها وقاية الأطفال الصغار من الموت.

وجد الأطباء بعد المزيد من الفحص، أن بلازما دم جيمس هاريسون، تتكون من مضادات قادرة على حماية الأطفال من أحد أخطر الأمراض المتعلقة بفقر الدم، وهو مرض ريسوس، الذي أصاب أعدادًا لا حصر لها من حديثي الولادة ليؤدي إلى معاناتهم من التلف بالدماغ والشلل ثم الموت.

من متبرع إلى بطل قومي

جيمس هاريسون
من متبرع إلى بطل قومي

أثار اكتشاف الأطباء المبهر بخصوص حالة جيمس هاريسون المحيرة والملهمة في وقت واحد، اندهاش الملايين من الأستراليين، لكنه أثار حماسة هاريسون نفسه من أجل تخصيص وقته للتبرع بالدم وبأكبر كميات ممكنة، أملًا في تغيير مسار مظلم قد يواجهه الأطفال المرضى، ليحمل لقب الرجل ذي الذراع الذهبية.

لم يدرك الأطباء سر حالة جيمس هاريسون، والتي جعلت منه بطلًا قوميًا في أعين سكان بلاده، لكن أغلب التوقعات رجحت أن تكون الجراحة التي تعرض لها في الصغر، والتي تطلبت حصوله على تبرعات أشخاص عدة بالدم، منحته القدرة العجيبة التي استغلها لاحقًا بأفضل صورة ممكنة.

«اقرأ أيضًا: وفاة أدولف هتلر»

دماء هاريسون وأهميتها

صار جيمس هاريسون من بين 50 شخصا فقط في أستراليا، يملكون الأجسام المضادة في دمائهم، وهو الأمر الملهم الذي علق عليه الصليب الأحمر الأسترالي بالقول: «يحظى كل كيس دم بأهمية كبيرة لدينا، إلا أن دماء جيمس هاريسون لها قيمة خاصة جدًا، في ظل مساهمتها في تطوير علاجات تقدم لكل أم مهددة بنقل مرض ريسوس إلى طفلها حديث الولادة».

يؤكد الخبراء في أستراليا إذن أن كل الأدوية العلاجية المنتجة في الأعوام الأخيرة بغرض وقاية الأطفال حديثي الولادة من مرض ريسوس، قد ظهرت بدعم من دماء هاريسون، لذا فبينما يعد 17% من النساء في أستراليا مهددات بالإصابة بهذا المرض المميت للأطفال الصغار، فإن التأكيد على أن جيمس هاريسون أنقذ حياة ملايين الأطفال لا يعتبر من المبالغات.

تقدير رغم الاعتزال

ربما كان حلم جيمس هاريسون هو الاستمرار في التبرع بدمائه حتى الرمق الأخير، إلا أن قوانين التبرع في أستراليا حالت دون ذلك، نظرًا لأنها تنص على عدم جواز تبرع الشخص بدمه إن تخطى عامه الـ81، ليتوقف أخيرًا البطل الأسترالي العجوز عن مهمته الجليلة منذ سنوات قليلة.

يشير العلماء إلى أن رحلة هاريسون المثمرة غيرت الكثير من الأمور في أستراليا، في إشارة إلى أن الآلاف من الأطفال حديثي الولادة كانوا يتعرضون للوفاة بصفة سنوية حتى عام 1967، فيما كان الأسوأ من ذلك هو عدم معرفة الأطباء بسر الوفيات من أجل خفض أعدادها.

جاء الاكتشاف الملهم في دماء هاريسون إذن ليوقف نزيف الدماء المستمر، حيث تؤكد الإحصاءات أن عدد الأطفال الذين تم إنقاذهم بفضل تبرعات جيمس هاريسون، يتجاوز الـ2 مليون طفل، لذا استحق الأسترالي الثمانيني كل التكريمات التي حظي بها، ومن ضمنها وسام أستراليا الذي يعد الأعلى مكانة في البلاد.

رحلة لن تنتهي

جيمس هاريسون
جيمس هاريسون منقذ الأطفال

يرى جيمس هاريسون أن رحلته لم تنته رغم إلزامه باعتزال التبرع بالدم، في إشارة إلى توعيته للمواطنين بضرورة التبرع بالدماء التي قد تصبح سببًا مباشرًا في إنقاذ حياة الآخرين، مشددًا على القيمة العظيمة التي يشعر بها الشخص إن نجح في مساعدة غيره عبر هذا الفعل، علمًا بأنه ساعد ابنته على ولادة حفيده بأمان تام عبر تبرعه بالدم، ليستفيد هو وأسرته من قدراته الفذة.

يقول جيمس هاريسون: «أشعر بالتواضع والفخر في آن واحد، حينما أسمع كلمات تمدح مهمتي الحياتية، حيث أصبح في غاية السعادة إن أدركت أنني كنت سببًا في استمرار حياة شخص ما، لكنها في النهاية موهبتي الوحيدة على ما يبدو، أن أتبرع بالدم».

في الختام، يبقى جيمس هاريسون هذا العجوز الثمانيني الملهم، من أسباب إنقاذ حياة ملايين الأطفال الصغار الذين صار من بينهم الآن من هم في مرحلة الشباب والمراهقة، لذا يظل اسمه محفورًا في وجدان أبناء بلاده بحروف من ذهب، باعتباره النموذج المثالي والمحفز دومًا للمتبرعين بالدماء من حول العالم.

المصدر
مصدر 1مصدر 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى