الصحة النفسية

التوحد الكلاسيكي.. حيث تجتمع أسوأ أعراض الذاتوية

تتعدد أنواع التوحد أو اضطرابات الطيف الذاتوي التي تتباين درجة حدتها كما تختلف بعض أعراضها، فيما يبقى التوحد الكلاسيكي الذي يعرف باسم التوحد التقليدي هو الأكثر شراسة، لذا نكشف عن تفاصيله المتنوعة في تلك السطور.

التوحد الكلاسيكي

يعرف التوحد الكلاسيكي أو التقليدي باسم متلازمة كانر، حيث أطلق عليه هذا اللقب تيمنًا باسم مكتشفه ليو كانير، والذي أشار خلال أربعينيات القرن الماضي إلى هذه الأزمة الصحية للمرة الأولى ليفصح ذلك عن تعدد الأعراض التي يعاني منها ضحية هذا النوع من اضطرابات الطيف الذاتوي.

يندرج التوحد الكلاسيكي أسفل قائمة اضطرابات الطيف الذاتوي، والتي تعبر عن حالة عصبية عقلية تعيق النمو الذهني، بدرجة تؤثر بالسلب على مدى تفاعل المريض على الصعيد الاجتماعي والسلوكي، لتبدو قدرته على التواصل مع الآخرين شديدة الضعف.

«تعرف معنا على مرض التوحد وأنواعه المختلفة»»

أعراض التوحد الكلاسيكي

التوحد الكلاسيكي
أعراض التوحد الكلاسيكي

يعد التوحد التقليدي أو الكلاسيكي هو النوع الأكثر تخمة في الأعراض من بين أنواع الذاتوية، حيث تظهر للمرة الأولى في العام الأول أو الثاني للطفل، فيما يتأخر الأهل أحيانًا في اكتشافها لتزداد مهمة علاجها، وهي الأعراض التي تتمثل في:

أعراض اجتماعية

تشمل تلك أعراض التوحد الاجتماعية كل ما يحول دون قدرة مريض التوحد الكلاسيكي على التواصل الفعال مع الآخرين، واكتساب القدرات الاجتماعية المعتادة، مثل:

  • عدم القدرة على مشاركة الآخرين الأشياء المفضلة.
  • صعوبة تقدير أو تمييز المشاعر الخاصة أو مشاعر المحيطين.
  • تجنب التواصل بواسطة الأعين مع البشر كافة.
  • عدم التمكن من استخدام لغة الجسد وغيرها من وسائل التواصل.
  • استحالة فهم لغة الجسد أو معاني تغيير نبرات الصوت.
  • التحدث بصورة آلية محايدة خالية من المشاعر.
  • عدم النجاح في اكتساب الأصدقاء أو الاحتفاظ بالصداقات المكونة فعليًا.

أعراض سلوكية

هي أعراض التوحد الكلاسيكي الكاشفة عن التكرار وكذلك عن قلة الخيارات المتاحة لصاحب تلك الأزمة، حيث تشمل:

  • غياب المرونة بصورة مقلقة، ليصبح التأقلم مع التغييرات من المستحيلات.
  • التركيز على أمور تبدو غريبة والتوقع بأنها سوف تلفت انتباه الآخرين مثله.
  • عدم الرغبة في خوض التجارب الجديدة والتخلي عن الروتين الثابت.
  • الحساسية الزائدة تجاه بعض العوامل الخارجية، وتحديدًا مثل الأصوات والأضواء.
  • الاعتماد على بعض الحركات الجسدية المكررة، مثل الدوران والتصفيق باليدين.
  • ترتيب الأشياء الخاصة وتحديدًا الألعاب بنفس الطريقة دائمًا.

ما هو أصعب أنواع التوحد؟

التوحد الكلاسيكي
أصعب أنواع التوحد

يتفق الخبراء على أن التوحد الكلاسيكي أو متلازمة كانر، يعد من ضمن الأكثر صعوبة بين اضطرابات الطيف الذاتوي، فبالرغم من ظهور أغلب أعراض الاضطراب لدى الأنواع كافة، إلا أنها تبدو أكثر حدة لدى ضحايا التوحد التقليدي، ترى ما هي تلك الأنواع الأخرى؟

متلازمة هيلر

يعرف كذلك هذا النوع من التوحد باسم اضطراب الطفولة، حيث يضاهي التوحد الكلاسيكي من حيث الشدة، لكنه يختلف عنه في أن أعراضه لا تظهر على الطفل إلا بعد اكتساب بعض المهارات الاجتماعية واللغوية، ليفقدها رويدًا رويدًا في ظل ظهور علامات الأزمة.

يعاني ضحية متلازمة هيلر والذي يبدأ في اختبار الأعراض مع تجاوز العام الثاني من الولادة، من صعوبة شديدة في التحدث بشكل واضح ومفهوم، ومن عدم القدرة على فهم الكلمات عندما تنطق من جانب الآخرين، ليصبح غير قادر على المبادرة بالحديث مع أي من الأطفال من حوله.

لا ينجح مريض اضطراب الطفولة في التأقلم مع المتغيرات كما يفشل في رعاية نفسه، علمًا بأن قضاء الوقت وحده يصبح هو الملاذ الآمن في ظل عدم القدرة على ممارسة الألعاب مع من هم حوله من بشر، سواء كانوا في عمر الطفولة أو كانوا من البالغين.

اضطراب النمو الشامل

يعد اضطراب النمو الشامل أقل من حيث الصعوبة وشدة الأعراض مقارنة باضطراب الطفولة، لكنه يبقى رغم ذلك من الأنواع القاسية على ضحاياها، والسر في تعقيده لمهام المريض.

يعاني مريض اضطراب النمو الشامل من العجز عن التواصل مع البشر المحيطين به، كما يفشل في تكوين العلاقات الاجتماعية القوية مع الجميع، علاوة على أنه يعتمد على حركات جسدية مكررة ولا يقبل بتغييرها.

تزداد صعوبة اضطراب النمو الشامل باعتباره يدفع المريض إلى التمسك بالروتين، بحيث يصاب بالغضب الشديد عند حدوث أي تغير طفيف في أي من مظاهر اليوم المختلفة، هذا إلى جانب ضعف قدراته اللغوية التي تمنعه من شرح أفكاره للآخرين أو حتى فهمهم.

متلازمة أسبرجر

تعد متلازمة أسبرجر هي الحالة الصحية أو نوع اضطرابات الطيف الذاتوي الأكثر سهولة والأضعف من حيث شدة الأعراض، مقارنة بالأعراض الأخرى، فبينما تتنوع الأعراض المزعجة لدى ضحية هذا النوع، فإنها تبقى خالية من أي من علامات ضعف الذكاء كما الحال بالنسبة لأنواع التوحد الأخرى.

يبدو مريض متلازمة أسبرجر كالعادة غير قادر على التواصل بصريًا مع أي شخص، غير مؤهل لفهم مشاعر الآخرين أو ربما إيماءاتهم ولغة جسدهم، ليصبح التواصل معهم مستبعدًا مهما كانت المغريات.

لا يجد ضحية متلازمة أسبرجر أي سهولة في فهم مشاعر الآخرين، حيث لا تفيده مستويات الذكاء التقليدية التي يملكها بالفعل، فيما يبقى محاصرًا كالعادة بين الأخطاء اللغوية والتكرارات الجسدية والسلوكية.

التوحد عند الأطفال

التوحد الكلاسيكي
التوحد عند الأطفال

بقدر ما تبدو أعراض التوحد عند الأطفال، وتحديدًا التوحد التقليدي الكلاسيكي، مؤثرة بالسلب على قدراتهم، فإنها تصبح مؤثرة بالسلب على الحالة النفسية لذويهم، في ظل ضرورة التعامل بحرص مع اختلافات يعاني منها المريض منذ سنواته الأولى، وتدفعه ربما إلى إيذاء نفسه ولو من الناحية الجسدية.

يعاني طفل التوحد الكلاسيكي من الجمود الفكري والحركي، حيث تسيطر عليه نفس الرغبات، لتراه يكرر بعض العبارات والحركات بصورة ملحوظة، مكتفيًا بذلك ودون الحاجة إلى التواصل مع غيره بالنظر إلى رغباته الانعزالية التي لا تتكرر هي الأخرى، ما يكشف عن درجة من الهوس لديه بنفس الأشياء.

لا يمكن تجاهل مدى حساسية ضحية التوحد من الأطفال تجاه الأضواء والأصوات أو حتى الروائح أو اللمسات الودية من جانب الآخرين، ليكشف عن رد فعل عنيف حينما يتعرض لأي من الأشياء المذكورة، ويبدو كارهًا للحمل أو العناق، فيما تبقى مستويات الذكاء لديه متواضعة أو متوسطة في أفضل الأحوال.

التوحد عند الكبار

تعد أعراض التوحد عند الكبار شبيهة بتلك الخاصة بالأطفال الصغار، لتشمل صعوبات في التحدث وفهم كلمات الآخرين، وعجز عن إدراك معاني نبرات الصوت ولغة الجسد، مع الاعتماد على صوت آلي بنبرة واحدة حينما تأتي لحظات التحدث.

يعاني الكثير من البالغين من ضحايا التوحد من عدم القدرة على التواصل البصري، فيما يميلون إلى الانعزال عن المناسبات الاجتماعية، ليتمثل الصديق المفضل لديهم في جماد لا يصدر أي ردود فعل مقلقة، وحتى إن كان عبارة عن برنامج مفضل لديهم.

لا يمكن لضحايا التوحد الكلاسيكي من البالغين، أن يفارقوا منطقة الراحة الخاصة بهم، ليخوضوا التجارب الجديدة مثلما يفعل غيرهم، حيث تبدو الأعمال الروتينية هي المفضلة لديهم، ما يجعل الوظائف التي تشهد تكرارا للمهام أو تعاملا دائما مع الأجهزة كالحاسوب، هي المناسبة لمرضى التوحد.

تجدر الإشارة إلى أن نسبة من ضحايا التوحد، لديهم قدرات أو مهارات غير عادية في بعض المجالات المحددة، كان أن يملك أحدهم ذاكرة حديدية أو ذكاء حادا في التعامل مع الأرقام أو موهبة فطرية لتبدو تلك مخالفة لقدراتهم المتواضعة، مثلما كشفت السينما عن ذلك من قبل من خلال فيلم رجل المطر للممثل داستن هوفمان.

أسباب التوحد الكلاسيكي

التوحد الكلاسيكي
أسباب التوحد

تحاط أسباب المعاناة من التوحد التقليدي أو أي من الأنواع الأخرى لاضطرابات الطيف الذاتوي بدرجة كبيرة من الغموض، حيث يعجز الخبراء عن تحديد السبب المؤكد وراء ظهور هذا الاضطراب، رغم وجود بعض التوقعات لعوامل هذه الأزمة.

تشمل مشكلات الولادة والتي تعد أحد الأسباب المحتملة وراء معاناة البعض من التوحد الكلاسيكي، الكثير من الأزمات التي قد يعاني منها الطفل الرضيع، مثل امتلاك جسم هزيل بوزن يبدو أقل من الطبيعي، أو التعرض لبعض أشكال العدوى أو السموم في عمر صغير، علاوة على الإصابة بطفرات جينية تؤدي لزيادة خطر الإصابة بالتوحد.

يرى العلماء أن حتى ولادة طفل لأب وأم في عمر متقدم، قد تشكل أحد العوامل وراء معاناته من اضطرابات الطيف الذاتوي، مع الوضع في الاعتبار أن العوامل الوراثية لها دور كبير في انتقال التوحد بين الأجيال، وتحديدًا حينما يعاني منه الأب أو الأم أو أحد أفراد الأسرة.

مخاطر ومضاعفات اضطرابات التوحد

بالرغم من أن المعاناة من التوحد الكلاسيكي تبقى في حد ذاتها من الاختبارات الصعبة للمريض ولأسرته على حد سواء، إلا أن الأزمة تتفاقم حينما يعاني ضحية هذا الاضطراب من أزمات نفسية وعضوية أخرى، والسر في ارتفاع فرص الإصابة بها عند المعاناة من التوحد، مثل:

الأمراض النفسية

يعد مريض التوحد الكلاسيكي وغيره من اضطرابات الطيف الذاتوي، محاطًا بفرص إصابة لا يمكن تجاهلها بأمراض نفسية مختلفة، يأتي في مقدمتها مرض الاكتئاب، والذي يسيطر على عقل الشخص المنعزل، والقلق الذي لا يقل خطورة، علاوة على الأرق وصعوبات النوم بشكل عام، وكذلك اضطراب الوسواس القهري.

الأمراض العضوية

تشمل الأمراض العضوية التي ترتفع فرص المعاناة منها عند الإصابة باضطرابات التوحد، داء السكري وارتفاع ضغط الدم، إلى جانب نوبات الصرع التي تندرج تحت قائمة المشكلات العقلية، وكذلك السمنة وأمراض الجهاز الهضمي.

تشخيص وعلاج التوحد الكلاسيكي

التوحد الكلاسيكي
علاج التوحد الكلاسيكي

ليس هناك ما هو أفضل لعلاج التوحد الكلاسيكي وغيره من أنواع هذا الاضطراب، من سرعة التشخيص لبدء رحلة الشفاء الجزئية دون تأجيل، فحتى إن كان العلاج الجذري ليس متوفرًا فإنه ينصح لتحسين الوضعية رويدًا رويدًا وعند ملاحظة أعراض الأزمة على الطفل الصغير، بسرعة اتخاذ تلك الخطوات:

اختبارات التشخيص

تتعدد الاختبارات التي تهدف إلى تشخيص التوحد لدى الطفل، حيث تبدأ بالفحوصات التنموية التي تنصح أكاديمية طب الأطفال الأمريكية بإجرائها على الطفل بعد تجاوز عام ونصف من الولادة وقبل إتمام العام الثاني.

كذلك ينصح إجراء فحص الحمض النووي لتبين فرص وراثة هذا الاضطراب، وترك المساحة للطبيب النفسي وأخصائي التخاطب من أجل الجلوس مع الطفل لتحديد الأمر بدرجة كبيرة من الدقة.

العلاج المعرفي السلوكي

هي تلك النوعية الفريدة من جلسات العلاج النفسي، والتي تعد ملائمة تمامًا لمرضى المشكلات والاضطرابات النفسية، مثل القلق والاكتئاب، أو اضطراب الطعام أو الوسواس القهري، فيما يعد التوحد الكلاسيكي كذلك من الأزمات التي تقل حدتها من خلالها.

يعمل العلاج السلوكي المعرفي على تحسين قدرات المريض على التواصل مع العالم الخارجي، بما يشهد من تعاملات مع الغرباء أو المقربين، فيما يساهم كذلك في تحفيز ضحية التوحد على ممارسة الكثير من السلوكيات الإيجابية في مقابل تجنب الكثير والكثير من السلوكيات السلبية المضرة.

العلاج بجلسات التخاطب

تؤدي جلسات التخاطب دور البطولة في تحسين حالات التوحد، وسواء كان التوحد الكلاسيكي أو غيره من اضطرابات الطيف الذاتوي، والسر في أنها تعالج المشكلة الأبرز لضحايا هذا الاضطراب، حيث تحسن من قدرة المريض الصغير أو الكبير على التحدث مع غيره من البشر.

كذلك تعد تلك الجلسات والتي لا يمكن إجراؤها إلا على يد خبير أو أخصائي تخاطب محترف، مسؤولة بدرجة أو بأخرى عن زيادة قدرة المريض على التواصل عبر الاستماع الجيد وفهم الكلمات والعبارات المنطوقة لتحليلها، قبل الإجابة عليها بالشكل الصحيح.

تعرف على طرق علاج التأتاة عند الأطفال المصابين بمرض التوحد.

جلسات اللعب

هي واحدة من طرق علاج التوحد غير التقليدية، والتي تحسن من الحالة النفسية للمريض الصغير، كما تعطي الأطباء فرصة استكشاف قدراته ومن ثم تحديد طرق العلاج المناسبة له.

تعتمد تلك الجلسات على إعطاء طفل الذاتوية بعض الألعاب المسلية والتي تخلق لديه دوافع مواجهة التحديات الجديدة، كما تنبه الطبيب المراقب لقدرات هذا الطفل، كي تبقى من وسائل دعم نقاط الضعف لديه بمرور الوقت.

التأمل

يرى الأطباء أن علاج التوحد بشكل عام ولدى الكبار بشكل خاص، يجب أن ينصب في كثير من المراحل على مد المريض بجلسات للتأمل والاسترخاء.

تساعد تلك الجلسات على تحسين الحالة النفسية للمريض، كي تمنحه الأمل في الاستمرار في العلاج دون تكاسل، علاوة على أن الاسترخاء يبقى بشكل عام من عوامل تحسين الكثير من الأزمات العقلية والنفسية.

الدعم النفسي

يبقى دور الأسرة شديد الأهمية فيما يخص دعم ضحية التوحد، وسواء كان في مرحلة الطفولة أو تجاوز مرحلة النضوج، حيث ينصح بالتوازن بين مراقبة سلوكيات المريض لحمايته وبين مده بالقدر المطلوب من الثقة للتعايش مع أزمته بسلام، في ظل تحفيزه على الخروج من المنزل لاعتياد المناخ بالخارج.

في كل الأحوال، يبقى التأكد من السلامة النفسية للأبوين مع التعامل اليومي مع ضحية التوحد مطلوبًا بشدة، كي لا تؤثر اضطرابات الطفل على الأب والأم بالسلب، ويصبح بإمكانهما تقديم الدعم الدائم حتى تتحسن حالته بمرور السنوات.

المصدر
مصدر 1مصدر 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى