الصحة النفسية

الإعاقة الفكرية.. مستوياتها والفرق بينها وبين الاضطرابات النفسية

نسمع كثيرًا مصطلح الإعاقة الفكرية، الذي يعجز البعض عن التفرقة بينه وبين المرض النفسي أو العقلي أحيانًا، أو ربما بينه وبين اضطرابات التوحد، فيما نكشف الآن عن مفهوم وأعراض وأسباب ظهور هذا الاضطراب الفكري والذهني، وكذلك طرق علاجه الممكنة في تلك السطور.

مفهوم الإعاقة الفكرية

يعد مصطلح الإعاقة الفكرية هو الأحدث من حيث الاستخدام لوصف حالة الاضطراب العقلي النمائي التي تصيب النمو العصبي، والتي كانت تعرف قديمًا باسم الإعاقة العقلية أو ربما التخلف العقلي.

يعاني الشخص الذي أصابته الإعاقة العقلية من عدم تطور ملحوظ في العقل، حيث تبدو وظائف المخ متدنية المستوى، ليعاني المصاب في تلك الحالة من ذكاء محدود للغاية وقدرة ضعيفة على التعايش مع تحديات الحياة اليومية.

من الوارد أن ترتبط الإعاقة الفكرية أيضًا بصعوبات شديدة سواء في التعلم أو التحدث أو تكوين العلاقات الاجتماعية السوية أو حتى الحركة، فيما يتأخر ظهور أعراض تلك الإعاقة على الطفل أحيانًا، لكنها تبدو واضحة المعالم منذ الولادة إن كانت شديدة التعقيد.

أعراض الإعاقة الفكرية

الإعاقة الفكرية
أعراض الإعاقة الفكرية

تتنوع أعراض الإعاقة الفكرية والتي تظهر في صورة سلوكيات غريبة، كما أنها تلاحظ في هيئة مشكلات في التفكير أو القيام بأبسط المهام، كما نوضح عبر أعراض الإعاقة العقلية سواء المتعلقة بالعقل أو بالسلوك.

أعراض الإعاقة الفكرية العامة

تبدأ أعراض الإعاقة الفكرية العامة في الظهور منذ مرحلة الطفولة المبكرة، حيث يلاحظ الأبوان فشل الطفل في مجاراة الآخرين من نفس عمره، ليبدو دائمًا وكأنه متأخر عنهم ببضع خطوات، في الحبو أو المشي أو حتى في الجلوس، فيما يعاني كذلك من صعوبات في تعلم الكلام، أو صعوبات في التحدث بوضوح.

لا يستطيع ضحية الإعاقة الفكرية أن يفكر في الأمور بشكل عميق يتم الاعتماد خلاله على المنطق، لذا فهو يعجز دون شك عن فهم توابع الأحداث التي يمر بها، أو حتى نتائج أفعاله الخاصة، ما يتماشى مع تصرفاته التي تبدو وكأنها طفولية بشكل مبالغ.

لا يوجد شك في أن مستويات الذكاء لدى مصابي الإعاقة الفكرية متراجعة بشكل حاد، حيث تقل عن 70 درجة في المعتاد، لتؤدي إلى مواجهة أقسى صعوبات التعلم، علاوة على أن الفضول لا يشكل أي أهمية لديهم.

تؤدي كل الأعراض السابقة إلى الفشل في الاستقلال بالحياة الخاصة، في ظل صعوبة التواصل مع الآخرين وكذلك عدم القدرة على العناية بالذات بالدرجة المطلوبة.

أعراض الإعاقة الفكرية السلوكية

تشكل تلك المجموعة من الأعراض السلوكية لدى ضحية الإعاقة الفكرية، ما يعاني منه سواء من اعتمادية زائدة عن الحد الطبيعي في التصرفات، مضاف إليها عصبية شديدة وانسحاب عن اللقاءات الاجتماعية الودية.

من الوارد أن تشهد أعراض الإعاقة العقلية بعض السلوكيات التافهة، التي يأمل من خلالها ضحية هذا الاضطراب أن يكسب انتباه من حوله فحسب، كما يلاحظ من خلالها العناد الشديد والتراجع الواضح في مستويات الرضا عن النفس.

يبدو من الطبيعي أن يعاني ضحية الإعاقة الفكرية من مشاعر الاكتئاب المحزنة، والتي غالبًا ما تهاجمه مع البلوغ أو خلال فترة المراهقة، مع الوضع في الاعتبار أن المعاناة من بعض الاضطرابات النفسية الأخرى هي ممكنة أيضًا، ويصاحبها صعوبة الانتباه لأي من الأشياء حوله.

تجدر الإشارة إلى أن أعراض الإعاقة الفكرية قد تشمل احتمالية إيذاء النفس، والتي إن امتزجت بالمشاعر الاكتئابية لدى المريض، فإنها تتسبب في أسوأ ردود الفعل.

مستويات الإعاقة الفكرية

الإعاقة الفكرية
مستويات الإعاقة الفكرية

على الرغم من أن الإعاقة الفكرية تبدو كمصطلح عام كاشف عن أسوأ علامات التراجع في القدرات الذهنية، فإن هذا الاضطراب في الواقع يظهر بدرجات مختلفة من حيث الحدة، ليصبح وكأننا نراه في الـ4 مستويات التالية:

الإعاقة الخفيفة

تشكل أعراض المستوى الأضعف من الإعاقة الذهنية مجموعة من الأعراض الأقل خطورة من غيرها مثل:

  • الحاجة لأوقات طويلة من أجل تعلم التحدث، قبل التمكن من التواصل مع الآخرين مع اجتياز تلك المرحلة التعليمية.
  • القدرة على الاستقلالية فيما يخص الاعتناء الكامل بالنفس، ولكن فقط بعد الوصول إلى مرحلة البلوغ والنضج.
  • المعاناة من صعوبات في القراءة والكتابة، وكذلك مشكلات فيما يخص درجة النضوج الاجتماعي عند التعامل مع البشر.
  • صعوبة تحمل مسؤوليات الزواج والإنجاب، والتي تبدو معقدة على الأصحاء أنفسهم في كثير من الأحيان.
  • التمتع بمستويات ذكاء تتراوح بين 50 و69، أي أقل من معدل الذكاء الطبيعي.

الإعاقة المتوسطة

هي تلك الإعاقة الفكرية غير الضعيفة مثل سابقتها، بل تظهر في هيئة:

  • بطء في التعلم وفي استخدام اللغات بالشكل الأمثل.
  • احتمالية مواجهة بعض الصعوبات عند التواصل مع الآخرين.
  • إمكانية التعلم ولكن للأساسيات فقط فيما يخص القراءة والكتابة وعد الأرقام.
  • عدم القدرة على الإقامة وحدهم داخل المنزل.
  • القدرة على المشاركة في بعض النشاطات الاجتماعية.
  • التمتع بمعدلات ذكاء تبدأ من 35 درجة وتصل إلى نحو 49 درجة في أفضل الأحوال.

الإعاقة الشديدة

تظهر تلك الدرجة من الحدة في صورة الأعراض السابقة ولكن بمستويات أكثر سوءا، علاوة على أنها تشهد الـ3 علامات التالية:

  • المعاناة من صعوبات الحركة وممارسة كل النشاطات التي تتطلب تحريك الجسم.
  • إصابة الجهاز العصبي بتلف شديد الحدة، أو بدرجة واضحة من عدم التطور.
  • انخفاض مستويات الذكاء التي تتراوح بين 20 إلى 34 درجة فقط.

الإعاقة الحادة للغاية

هي المستوى الأكثر سوءا من الإعاقة العقلية أو الفكرية، والتي تشمل الأعراض السابقة في أسوأ درجاتها، علاوة على تلك التالية:

  • عدم القدرة على تفهم التعليقات أو التعليمات التي تأتي إليهم من أفراد الأسرة الأكبر سنًا.
  • احتمالية المعاناة من عجز كامل عن الحركة.
  • الإصابة بأزمة سلس البول.
  • سوء درجة التواصل التي تصل إلى حد عدم استخدام أي من الكلمات.
  • الحاجة الدائمة إلى المتابعة من قبل الأشخاص المحيطين للمساعدة في الوقت المناسب.
  • امتلاك مستويات ذكاء شديدة التدني ولا تصل حتى إلى 20 درجة.

أسباب الإعاقة الفكرية

بينما تظهر خطورة المعاناة من الإعاقة الفكرية، والمتجسدة في درجات وأعراض هذا الاضطراب الذهني، فإن الأزمة تبدو أكثر خطورة في ظل عدم قدرة العلماء على التأكد من أسباب تلك الإعاقة، وإن كانت الترجيحات تميل إلى تلك العوامل:

  • صدمة ما قبل الولادة، والتي تحدث عند تعاطي الأم خلال فترة الحمل الكحوليات أو المواد المخدرة أو حتى لأي من أشكال العدوى.
  • صدمة أثناء الولادة، حيث تتمثل حينها في عدم وصول الأكسجين الكافي للطفل الرضيع، وربما ولادته من الأساس في وقت مبكر.
  • الاضطراب الصبغي والذي يظهر في صورة متلازمة داون على سبيل المثال.
  • التعرض للسموم الخطيرة كالزئبق أو الرصاص.
  • المعاناة من إصابة قوية بالدماغ.

تجدر الإشارة إلى أن العوامل الوراثية قد تشكل أحد أسباب المعاناة من الإعاقة الفكرية، مثلما تؤدي اضطرابات الجينات مثل متلازمة الكروموسوم إكس الهش للأزمة ذاتها في نهاية المطاف.

الفرق بين الإعاقة الفكرية والاضطرابات النفسية

الإعاقة الفكرية
الفرق بين الإعاقة الفكرية والاضطرابات النفسية

يعجز البعض حتى الآن عن التفرقة بين الإعاقة الفكرية والكثير من الأمراض النفسية والعقلية، رغم أن الاختلاف يبدو واضحًا بالنظر إلى توقيت الإصابة وأعراض وفرص الشفاء لدى كل أزمة.

توقيت الإصابة

تعرف الإعاقة الفكرية بأنها تصيب الشخص منذ الولادة، لتظهر أعراضها مبكرًا في الأعوام الأولى، فيما يمكن للاضطرابات النفسية والعقلية الأخرى أن تظهر في وقت لاحق بعدما يعاني منها الشخص في مراحل متأخرة، حيث تصيب الأطفال الصغار في ظروف نادرة بعكس الإعاقات الفكرية، علمًا بأنها قد تظهر بصورة مؤقتة أو على هيئة نوبات قد تتكرر طوال العمر أو لا وفقًا للحالة.

التأثير

تهاجم الإعاقة الفكرية دومًا قدرات الشخص على التعلم والفهم والاستنتاج، علاوة على أنها تحول دون تمتعه بقدرات طبيعية في التواصل وتكوين العلاقات الاجتماعية، أما الاضطرابات العقلية والنفسية المختلفة فهي تؤثر سلبًا على مشاعر الإنسان وبالتالي مزاجه العام وسلوكياته اليومية، ومن بينها على سبيل المثال الفصام واضطراب ثنائي القطب والاكتئاب العام.

فرص الشفاء

يكمن الفرق الأكثر وضوحًا بين الإعاقة الفكرية والاضطرابات النفسية في عدم التوصل لعلاجات جذرية للأولى وعلى عكس الثانية، حيث يبدو الأمل الوحيد في حالة الإعاقة الفكرية متجسدًا في التحكم في أعراض تلك الأزمة المزمنة، ومساعدة ضحيتها على التأقلم مع ظروفه الحياتية المعقدة، فيما يمكن لبعض العلاجات الدوائية والنفسية أن تساهم في علاج الاضطرابات النفسية يومًا.

الفرق بين الإعاقة الفكرية والتوحد

يخلط الكثيرون كذلك بين الإعاقة الفكرية أو الذهنية وبين التوحد المعروف باسم اضطراب الطيف الذاتوي، فبينما يصاب الشخص في الحالتين بتراجع ملحوظ في القدرات الخاصة، يؤثر بالسلب على درجة التواصل مع العالم الخارجي، فإن هناك بعض الفوارق التي لا يمكن تجاهلها، وتبدو مرتبطة بمعدلات الذكاء والقدرة على التواصل.

تؤدي الإعاقة الفكرية دومًا إلى تدني مستويات ذكاء الشخص الذي يعاني منها، فسواء بدت الأزمة خفيفة أو متوسطة أو حادة الأعراض، فإن معدلات الذكاء لديه تبقى أقل كثيرًا من الدرجات الطبيعية.

يبدو الأمر مغايرًا بالنظر لحالات التوحد، والتي تختلف مستويات الذكاء لديها وفقًا لنوع الاضطراب، فبينما يتسبب التوحد الكلاسيكي في تراجع مستويات ذكاء المصاب، فإن معدلات ذكاء المصاب بنوع آخر من التوحد يعرف باسم متلازمة أسبرجر تبدو متوسطة، فيما تصل إلى درجات العبقرية في حالات نادرة مثل متلازمة الموهوب.

فارق آخر يخص فرص التطور، فبينما يبدو الشفاء بشكل كامل مستبعدًا في الحالتين، فإن فرص تطور مصاب التوحد تبدو أكثر وضوحًا مقارنة بضحية الإعاقة الفكرية، وخاصة إن حصل على الدعم الطبي والنفسي المطلوب.

تشخيص الإعاقة الفكرية

يحتاج الطبيب من أجل تشخيص طفل صغير بالإعاقة الفكرية، أن يتأكد من معاناته من مستويات تأقلم وتعلم تبدو أقل من العادية، ذلك عبر مراقبة الطفل لبعض الوقت، والتحدث مع الأبوين، إضافة إلى خضوع الطفل نفسه لاختبارات ذكاء بسيطة.

يخضع الطفل لعدد من الاختبارات، التي تهدف إلى مقارنته بالأطفال الآخرين من نفس المرحلة العمرية، على صعيد القدرة على تلبية الرغبات الاجتماعية والعاطفية، وكذلك من ناحية التمتع بالمهارات الحياتية التي يحتاجها الإنسان بصفة يومية.

تذهب نتائج الاختبارات في العادة لأكثر من طبيب، من بينهم طبيب علم نفس وأخصائي تخاطب وربما طبيب آخر للعمل على تطوير الطفل سريعًا.

علاج الإعاقة الفكرية

الإعاقة الفكرية
علاج الإعاقة الفكرية

لا تحقق علاجات الإعاقة الفكرية المتاحة الشفاء الكامل للمصاب بها، بل تساعده فقط على التأقلم مع أعراض أزمته، ذلك عبر مجموعة من الخطوات المنفصلة مثل:

العلاج السلوكي المعرفي

هو أشهر أنواع جلسات العلاج النفسي، والتي إن بدت قادرة على تحسين حالات الاكتئاب والقلق والتوتر واضطراب ثنائي القطب، فإنها تحمل أفضل النتائج كونها تحفز المريض على فهم طبيعة أزمته، مع متابعته وتعويده على اتباع سلوكيات جيدة مقابل تجنب السلبي منها.

العلاج الوظيفي

هي الخطوة الأخرى التي ينصح بها أيضًا، فيما تتلخص في تركيز الأطباء والمتخصصين على تعويد الطفل على تطوير مهاراته المختلفة، مع تخفيف عبء المشكلات الجسدية والعصبية.

الأدوية

من جديد لا يبدو الشفاء الكامل ممكنًا بالنسبة لضحية الإعاقة الفكرية بشكل عام، إلا أن الأدوية لها دور مؤكد في السيطرة قدر الإمكان على أعراض الاضطراب الفكري، والتي تصل بالبعض إلى حد غير متوقع.

في الختام، يبدو من المؤكد أن تحديات ضحايا الإعاقة الفكرية تعد شديدة الخطورة والتعقيد أيضًا، لذا فإن الدعم قد يشكل بارقة الأمل الوحيدة لهم، من أجل التعايش مع الأزمة متعددة الجوانب.

المصدر
مصدر 1مصدر 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى