ثقافة ومعرفة

«خدعة القمر العظيمة».. وكيف بدأت الصحافة الصفراء؟

في الواقع، تعود فكرة الصحافة الصفراء لفترة ما قبل شبكات الإنترنت، حتى وإن كان الهدف من انتشار الأخبار المزيفة واحدًا، وهو تحصيل أكبر قدر من الاهتمام بالمحتوى الذي يُقدَّم على هيئة أخبار، عن طريق إثارة الجدل بمعلومات مغلوطة.

خدعة القمر العظيمة

يُعتقد أن تاريخ الصحافة الصفراء يعود لما يُعرف بـ«خدعة القمر العظيمة»؛ حين زعمت صحيفة «نيويورك صن» الأمريكية ‑حديثة النشأة- بصيف العام 1835 أنّها تمكنّت بشكل ما من الحصول عن معلومات حول طبيعة الحياة على سطح القمر.

ماذا حدث؟

نشرت الصحيفة الأمريكية سلسلة من 6 مقالات، تصف الحياة على سطح القمر، ومن المفترض أنها من كتابة شخص يدعى «أندرو جرانت»، قيل إنّه صديق مقرّب لـ«جون هيرشل»، عالم الفلك الشهير بذلك الوقت.

طبقًا لجرانت، وجد هيرشل دليلاً على أشكال الحياة على القمر، بما في ذلك الحيوانات الرائعة مثل وحيد القرن، والقنادس ذات الأرجل، والأشكال البشرية المجنحة ذات الفراء التي تشبه الخفافيش. كما قدمت المقالات وصفًا حيًا لجغرافية القمر.

منذ اليوم الذي صدر فيه أول مقال حول خدعة القمر، ارتفعت مبيعات الصحيفة بشكل كبير، حيث تضمنت سلسلة المقالات الكثير من المعلومات المثيرة، لكن المشكلة الوحيدة هي أن أيا منها لم يكن صحيحا.

اقرأ أيضًا:السفاح عبد الناصر والسادات المدمن.. وأفدح أخطاء الصحافة في التاريخ

انتهاء الجدل

في 16 سبتمبر 1835، اعترفت الصحيفة بأن المقالات كانت خدعة، وأنّ جرانت لم يكن سوى شخصية خيالية لا وجود لها، حاكها محرر يُدعى «ريتشارد آدامز لوك»، لكن ذلك لم يؤثر مطلقًا على مبيعات الصحيفة التي ظلّت تحقق أرباحًا، بعدما وجد فيها القرّاء أخبارًا مماثلة، تعفيهم من قراءة الأخبار الكلاسيكية التي تتسم بالرتابة.

لماذا سُميت بالصحافة الصفراء؟

الصحافة الصفراء

بالعام 1883، اشترى شخص يدعى «جوزيف بوليستر» صحيفة «نيويورك وورلد»، وعزم على استخدام التقارير المثيرة لكشف أوجه الفساد والظلم بالمجتمع.

من جهة أخرى، برز اسم «راندولف هيرست»، نجل أحد أباطرة التعدين بكاليفورنيا، الذي قام بتأسيس صحيفة «سان فرانسيسكو إكزامينار»، حاملًا على عاتقه مهمة التفوُّق على بوليستر، عبر تقديم أخبار وتقارير أكثر إثارة للجدل.

في هذه الفترة، اشتد التنافس بين الصحيفتين، ما دفع رسّام الكاريكاتير «ريتشارد أوتكالت»، رسم الصراع بشكل هزلي؛ عبر عمل فني يوضّح الحرب القائمة بين الثنائي، على هيئة شخصين يقفان وجهًا لوجه، مرتديين ثيابًا صفراء، ومن هنا انتشر مصطلح الصحافة الصفراء بالمجتمع الأمريكي، قبل أن يجد طريقًا للعالم بأسره.

يقال إن عصر الصحافة الصفراء قد انتهى بعد فترة وجيزة من مطلع القرن العشرين، ومع ذلك، أصبحت بعض تقنيات فترة الصحافة الصفراء واسعة الانتشار؛ مثل العناوين اللافتة والكوميدية.

اقرأ أيضًا: الأخبار المزيفة.. لماذا تنتشر سريعا وكيف يمكن مواجهتها؟

الصحافة الصفراء في خطوات

يلهث القراء عادةً خلف كل ما هو مثير، ومن هنا استطاع القائمون على بعض الصحف الصفراء الوصول لخلطة مثالية تضمن أكبر قدرٍ ممكن من التفاعل مع مؤسساتهم، وهذا عبر اتباع الخطوات التالية.

  • استخدام عناوين لافتة للنظر.
  • المبالغة في شرح الأحداث أثناء عرضها
  • الترويج للفضائح، خاصةً المتعلقة بالشخصيات العامة.

هل تعد الصحافة الصفراء غير قانونية؟

لا تمنح السلطات بمعظم دول العالم قيمة كبيرة للصحافة الصفراء، حيث تعتبر في الغالب بمثابة تقارير غير مسؤولة، لكن بشكل عام تتباين كيفية التعامل مع المؤسسات التي تقدّم هذا النوع من الصحافة.

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، حاليًا يعتبر مصطلح الصحافة الصفراء مصطلحًا ازدرائيًا، يعبر عن رفض المجتمع لهذا النوع من الصحافة، حيث يُعتبر طريقًا بعيدًا كل البعد عن أخلاقيات المهنة واحترافيتها.

السوشيال ميديا.. صحافة العالم المعاصر

الصحافة الصفراء

على الرغم من امتلاك معظم مواطني العالم إمكانية الولوج لشبكات الإنترنت للتحقق من مدى مصداقية أي خبر، لا تزال الأساليب التي قامت عليها الصحافة الصفراء قبل نحو قرنين من الزمن قائمةً حتى الآن، بفضل مواقع التواصل الاجتماعي.

توفر وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة سريعة وسهلة لتوزيع المعلومات، في الواقع، يتم إعادة تعريف وسائل الإعلام في العصر الاجتماعي اليوم، حيث يمكن لمصدر إخباري مشاهدة تغريدة واحدة وقبل أن يتاح لهم الوقت للتحقق منها، تنتشر عبر الإنترنت، وفي كثير من الأحيان، يتم تزيين هذه القصص في محاولة لزيادة عدد القراء وجذب الانتباه إلى المصدر الإعلامي.

بعض الحقائق والكثير من الأكاذيب

الصحافة الصفراء الحديثة تدور حول رد الفعل، حيث توفر منصات وسائل التواصل الاجتماعي اليوم منفذًا لهذا النوع من الصحافة، بينما يرى البعض هذا أنه «أخبار مزيفة»، في الواقع، قد يكون هناك استعراض لجزء ضئيل من الحقيقة، وبناء الأكاذيب من حوله، بهدف ضمان تفاعل المتلقي.

على العموم، لا يبدو أن الصحافة الصفراء في طريقها لأن تنتهي أبدًا، لأنها تحولت من مجرّد فكرة ينفذها مجموعة محدودة من البشر إلى أسلوب يمكن لأي شخص يمتلك هاتفًا ذكيًا تطبيقه، لذلك لا مفر من إضاعة بعض الوقت في التحقق من أي خبر يصادفك، حتى لا تقع في فخ تصديق الأخبار المزيفة.

المصدر
مصدر 1مصدر 2مصدر 3مصدر 4

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى