ثقافة ومعرفة

قصيدة لامية العرب للشنفرى.. القصيدة اللامية

لامية العرب، هي واحدة من أشهر القصائد في الشعر العربي الجاهلي، والتي لم يحللها فقط عظماء الأدب العربي على مدار التاريخ، بل كذلك جذبت انتباه المستشرقين الذين بحثوا عن معانيها بعد أن ترجمت للغات أجنبية عدة، فما تفاصيل تلك القصيدة؟ ومن هو مؤلفها وما هو سر شهرتها؟

قصيدة لامية العرب للشنفرى

مؤلف لامية العرب

تعتبر قصيدة لامية العرب المكونة من أكثر من 68 بيتا، أشهر أعمال الشاعر الجاهلي الشنفري، وهو عمرو بن مالك الأزدي، الذي ولد قبل الهجرة بأكثر من قرن كامل في قبيلة الأزد اليمنية، قبل أن يرحل عن الدنيا مقتولا  في سنة 70 قبل الهجرة على يد أعدائه.

عاش الشنفري حياة قاسية، حيث تعرض والده للقتل وهو صغير، ليتعرض للأسر وهو طفل ويكتشف لاحقا أن من قاموا بتربيته ليسوا أخواله كما كان يظن، ما تسبب في حدة طباع الشاعر الطموح الذي صار رغم ذلك من أشهر أدباء الشعر الجاهلي، مستغلا ظروف حياته الصعبة التي علمته الكثير والكثير، وساهمت في دفعه لإظهار موهبته الفائقة عبر قصيدة لامية العرب.

ما هي لامية العرب؟

هي ربما أروع أعمال الشنفري، نظرا لأنها اعتبرت من وجهة نظر الكثيرين النقل الأكثر صوابا لظروف الحياة المختلفة في بلاد العرب بالعصر الجاهلي، علما بأن طول تلك القصيدة مقارنة بأشعار الصعاليك، دفعت البعض إلى التشكيك في مؤلفها والادعاء بأن الشنفري ليس من كتبها من الأساس.

تناول الكثيرون قصيدة لامية العرب بالشرح والتوضيح، إعجابا بأسلوبها الجاذب ووصفها العميق لحياة الجاهلية، ومن بينهم الزمخشري وهو أحد أشهر أئمة العلم والدين في عصره، وعالم النحو والبلاغة الشهير المبرد، وكذلك علامة الشعر والأدب المفضل الضبي، كذلك تم ترجمة اللامية إلى لغات أجنبية مختلفة كالإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية واليونانية، لتصبح بمثابة باكورة أعمال العرب القدامى الشعرية في نظر المستشرقين.

لماذا سميت لامية العرب بهذا الاسم؟

يكشف إعجاب الأدباء سواء من العرب أو من المستشرقين الأجانب بقصيدة لامية العرب، عن سر تسميتها التي تعبر عن مدى روعتها، حيث عرفت بهذا الاسم كونها واحدة من أصدق القصائد التي تناولت حياة العرب الجاهلية، إن لم تكن أكثرها صدقا دون منازع.

كشفت قصيدة الشنفري الأشهر عن طباع وأخلاقيات البشر في زمن ما قبل الهجرة النبوية، ليطلق عليها اسم لامية العرب، علما بأن جزالة الألفاظ وحسن الوصف هو ما ساهم في زيادة شهرتها على مدار قرون طويلة.

شرح لامية العرب

تبدأ قصيدة لامية العرب للشنفري بقوله:

أَقِيمُـوا بَنِـي أُمِّـي صُـدُورَ مَطِيِّـكُمْ

فَإنِّـي إلى قَـوْمٍ سِـوَاكُمْ لَأَمْيَـلُ

فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْـلُ مُقْمِـرٌ

وَشُـدَّتْ لِطِيّـاتٍ مَطَايَـا وَأرْحُلُ

وفي الأَرْضِ مَنْـأَى لِلْكَرِيـمِ عَنِ الأَذَى

وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَـى مُتَعَـزَّلُ

يكشف الشنفري من الوهلة الأولى عن رغبته في الرحيل وترك أهله، بعدما قاموا بخداعه لسنوات طويلة، حيث يميل إلى أناس آخرين أفضل منهم معاملة، في إشارة إلى أن العالم يمتلئ بالأماكن التي تحفظ له كرامته، بعيدا عن كل ما عاناه من ذل وكراهية.

يكمل الشنفري قصيدته قائلا:

وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُـون: سِيـدٌ عَمَلَّـسٌ

وَأَرْقَطُ زُهْلُـولٌ وَعَرْفَـاءُ جَيْـأَلُ

هُـمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّـرِّ ذَائِـعٌ

لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْـذَلُ

في تلك الأبيات يكشف عن حقيقة من يفضل الشاعر معاشرتهم عن البقاء مع أهله، حيث يقول السيد العملس والمقصود به الذئب السريع شديد البأس، والعرفاء والجيال هي من الضباع، كاشفا عن تفضيل مجتمع الوحوش بما يحمل من قسوة، لكنه رغم ذلك لا يتسبب في مشاعر الخذلان التي أحس بها الشنفري، ولا يفشي الأسرار كما حدث له.

وَكُـلٌّ أَبِـيٌّ بَاسِـلٌ غَيْـرَ أنَّنِـي

إذا عَرَضَتْ أُولَى الطَرَائِـدِ أبْسَـلُ

وَإنْ مُـدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُـنْ

بَأَعْجَلِهِـمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ

وَمَـا ذَاكَ إلّا بَسْطَـةٌ عَـنْ تَفَضُّـلٍ

عَلَيْهِـمْ وَكَانَ الأَفْضَـلَ المُتَفَضِّـلُ

وَإنّـي كَفَانِـي فَقْدَ مَنْ لَيْسَ جَازِيًَا

بِحُسْنَـى ولا في قُرْبِـهِ مُتَعَلَّـلُ

هنا يؤكد الشنفري المعنى السابق، مشيرا إلى بسالة الوحوش مقارنة بالبشر الذين عاش معهم لسنوات، مع التشديد على أنه الأكثر بسالة من الجميع، كما يصف نفسه بأنه يتسم بالمروءة والكرامة التي لا تدفعه للتسابق على صيد الطرائد، ليختم حديثه في هذا الجانب بالإشارة إلى أن فقدان أهله لا يضر باعتبارهم لا يقدروا المعروف والخير.

أُديم مطـال الجـوع حتـى أميتـه

وأضرب عنه الذكر صفحاً فأذهل

وأستفُّ تُرْبَ الأرض كي لا يَرى له

عليَّ من الطَّولِ امـرؤٌ متطـوِّل

يكمل الشنفري حديثه عن نفسه في أحد الأجزاء اللاحقة من لامية العرب، واصفا نفسه بالقوي ذي البأس الشديد، الذي لا يحمل معه إلا سيفه وقوسه وكذلك رباطة جأشه، ما يكشف عن حياة العرب في زمن الجاهلية، حيث كان الشخص يحمل عدته لمواجهة الأعداء في أي وقت، فيما كان الخذلان من المقربين يتطلب الرحيل والاستعداد للمواجهة.

في الختام، تبدو قصيدة لامية العرب بمثابة التعبير الصادق عن حياة العرب منذ آلاف السنين، لذا تظل القصيدة التي كتبت قبل الهجرة النبوية بعشرات السنوات، هي نبراس الأدباء فيما يخص الحياة الجاهلية عند العرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى