ثقافة ومعرفة

بوسيدونيا.. كيف يهدد السلوك البشري رئة البحر الأبيض المتوسط؟

عند ذهابك إلى شاطئ جزيرة فورمينتيرا، ستصاب بالدهشة والانجذاب لمجرد النظر إلى مياهه التي تعطيك نبذة عن مدى نقاء أعماقه، ولكنك قد تجهل السبب الرئيسي وراء هذا النقاء وذلك اللون الفيروزي الخلاب الخاطف للأبصار، والذي يعود في الأساس لوجود نبات يعرف باسم «بوسيدونيا».

بوسيدونيا 

سميت نبتة البوسيدونيا على اسم بوسيدون إله البحر عند الإغريق الذي اعتقد البعض في وجوده في العصور القديمة، وتكون على شكل حواجز مقاومة بامتداد طول الشاطئ مما يساعد في تقديم أقصى حماية ضد عوامل التعرية، ويصل ارتفاع أوراق البوسيدونيا إلى مترين تقريبا، أما عرضها فيصل إلى 20 مترا.

وتعتبر هذه النبتة من أكثر الأعشاب انتشارا في البحر الأبيض المتوسط، حيث تغطي مساحة ما بين 25 ألفا و50 ألف كيلومتر مربع من مساحة المناطق الساحلية به، كما يعتقد العلماء أنها يمكن أن تعيش لأكثر من 100 ألف عام، الأمر الذي جعلهم يدرجونها أيضا تحت قائمة أقدم الكائنات الحية على وجه الأرض.

بوسيدونيا.. كيف يهدد السلوك البشري رئة البحر الأبيض المتوسط؟

رئة البحر الأبيض المتوسط

يعود الفضل إلى نبات بوسيدونيا في تصفية مياه المحيطات وإنتاج الأكسحين، الذي يعتقد العلماء أننا نتنفس أكثر من نصفه من خلال المحيطات، الأمر الذي جعلهم يطلقون عليها رئة البحر الأبيض المتوسط، حيث أشارت جميع الدراسات إلى كونها أحد أهم مصادر الأكسجين التي تتزود بها المياه الساحلية، كما أضافت بعض الدراسات التي أجريت عن طريق معهد البحر المتوسط للدراسات المتقدمة إلى أنها تنتج حوالي 20 لترا من الأكسجين لكل متر مربع يوميا، مما أكسب هذه النبتة أهمية بالغة للحياة البحرية والكائنات الحية بشكل عام.

بوسيدونيا.. كيف يهدد السلوك البشري رئة البحر الأبيض المتوسط؟

لا تتمثل أهمية البوسيدونيا في إنتاج الأكسجين فقط، بل تعتبر من أكبر العوامل التي تساعد على امتصاص ثاني أكسيد الكربون حيث تقوم بتخزين حوالي 83 مترا مربعا من كميته خلال العام الواحد، الأمر الذي يساعد في تقليل عنصر الكربون في الغلاف الجوي مما يؤثر بالتبعية على تغيير المناخ، بالإضافة إلى أنه ينمو غالبا في المروج الكبيرة التي تغطي مساحات شاسعة من قاع البحر، وهو ما يجعلها وجهة مناسبة لممارسة الأنشطة الترفيهية كالغوص والغطس، حيث يتسنى للغواصين التمتع بنظامها البيئي الذي يشكل مشهدا طبيعيا غاية في الجمال.

تهديد بالخطر

يعتبر نبات بوسيدونيا من أكثر النباتات المهددة بالانقراض في السنوات القليلة الماضية، والتي تحيط بها المخاطر من جميع الاتجاهات، رغم تشريعات الاتحاد الأوروبي لحمياته والجهود المكثفة للحفاظ عليه إلا أن السلوك البشري الخاطئ يشكل خطرا جسيما عليها، إذ يعتبر التلوث وإلقاء مياه الصرف الصحي غير المعالجة، وكذلك زيادة نشاط الصيد، عوامل رئيسية في القضاء على أكثر من 30% من مروج بوسيدونيا، حيث إنها نبتة حساسة جدا لا يمكنها النمو سوى في المياه النظيفة فقط، الأمر الذي يمثل تهديدا للنظام البيئي للبحر الأبيض المتوسط بشكل عام.

إنقاذ ما يمكن إنقاذه

قام صانع الأفلام الإسباني «مانو سان فيليكس» وهو مدرب غوص ومستكشف وعالم أحياء بحرية تحت الماء، بتكريس 30 عاما من حياته لإنقاذ هذا النبات، حيث عمل على حماية أكثر من 13 ألف هكتار بحري من منتزه سيس ساليناس الطبيعي الواقع في جزيرة فورمينتيرا قبالة الساحل الشرقي لإسبانيا، والتي يغطي نبات بوسيدونيا مساحات شاسعة منها.

بوسيدونيا.. كيف يهدد السلوك البشري رئة البحر الأبيض المتوسط؟
مياه شاطئ فورمينتيرا الفيروزية الناتجة عن وجود نبات بوسيدونيا..

حيث طور تطبيقا لإظهار موقع المروج التي يتواجد بها النبات حتى تتفادى قوارب الصيد الإرساء فوقها، كما قام خلال تلك السنوات بحملات توعية لمنع السلوك البشري الذي يلوث هذه الشواطئ الخلابة ويهدد رئة البحر الأبيض المتوسط، والتي ذكر من خلالها أهمية الحفاظ على هذا النبات الذي يمنح القوة للحياة البحرية، فضلا عن قدرته على تحويل مياه البحر الأبيض المتوسط وجميع الشواطئ إلى لوحة فنية رائعة، من خلال مظهره الجذاب، كذلك قدرته على إضفاء الكثير من الحيوية والانتعاش وضخ الأكسجين النقي لجميع الكائنات الحية تحت سطح الماء وفوقه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى