رياضة

بين يد مارادونا واعتراف لوكاكو.. كيف يتحكم الجمهور بشعار الفيفا؟

نطمح منذ أن وطئت أقدامنا هذه الساحة إلى تطبيق العدالة، ولفظة نطمح تلك ربما تأتي تعبيرا عن عدم استطاعتنا فعل ما هو أكثر من ذلك، لأننا في الغالب نصطدم برغبتنا الغريزية في كسر القواعد، حتى وإن كنا نلفظ هؤلاء الذين يرتكبون تلك الأفعال المشينة.

بتصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم 2010، كان تيري هنري، أسطورة أرسنال السابق، قد ساعد منتخبه الفرنسي في عبور محطة أيرلندا العنيدة، حين استعان بيده لتوقيف كرة وصلته داخل منطقة الجزاء، قبل أن يمررها عرضا لزميله الذي أسكنها الشباك معلنا وصول منتخب الديوك ‑ظلمًا- إلى مونديال جوهانسبيرج.

ما ارتكبه هنري آنذاك كان غشا، لكن هل منع ذلك الجمهور الفرنسي من الاحتفال بالصعود إلى كأس العالم؟ بالتأكيد لا، حتى وإن شعروا بضيق بسببه، إلا أنه بالتأكيد هنالك بعض المشاعر لديهم طغت على الأخرى، وبما أننا نتحدث عن لعبة قائمة على التنافس بالمقام الأول، فللأسف، جرت العادة بأن كل ما يتم تمريره قانونيا، يظل قانونيا، ويستحق الإشادة أحيانا.

مدينة النبلاء والأشرار

كان روبي فاولر، نجم ليفربول الأسبق، رجلا نبيلا، فقد رفض أن يحصل على ركلة جزاء مشكوك في صحتها، قد احتسبت لصالحه بإحدى مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز في العام 1995.

مبدئيًا؛ دعنا نخبرك بأن شعار الاتحاد الدولي لكرة القدم هو «My Game is Fair Play»، ما يعني أن الهدف الأسمى لهذه اللعبة، أن تلعب بشرف، ثم بعد ذلك يمكنك أن تفعل ما يحلو لك، لكن هل يحدث ذلك فعلا؟

بمكان بعيد، تحديدًا داخل القارّة المسماة أستراليا، تتفاخر هذه الأمة بأنها تُعلي دائمًا وأبدًا قيم الروح الرياضية، فأهم ما يُغرس داخل نفسية الرياضيين الأستراليين هو أهمية اللعب بشرف للفوز، بنفس الترتيب. فالرياضة الأسترالية، طبقًا لهاو بونيلو، صحفي تيليجراف، تطبق مفهوم المحاربين على رياضييها، فالمحارب لا بد وأن يكون نزيها أولا، ثم يقاتل بعد ذلك بمنتهى الشراسة وصولا إلى هدفه.

ربما يمكننا إسقاط تمسُّك شريحة كتلك من البشر بمبادئ الروح الرياضية بكل المواقف على طبيعة الشعب الأسترالي نفسه، الذي يبدو وأنه قد اتفق منذ زمن على أن التنافس لا يتعارض مع نبذ الغش والخداع، بالتالي لا يلجأ الرياضيون هناك إلى الخداع أو الغش، لأنهم يعلمون جيدًا بأن ردة فعل الشعب الرافض لمثل تلك التصرفات ستطاردهم أينما رحلوا.

على العكس تمامًا، فما فعله مارادونا بمكسيكو سيتي تحوَّل إلى معجزة قومية يتم التباهي بها بين أفراد شعب الأرجنتيني، حتى بعدما اعترف البيبي دي آورو بنفسه أنه بالفعل حاول خداع الحكم البائس بعدما أسقط كرته داخل مرمى بيتر شيلتون، حارس مرمى إنجلترا، بأن ركض محتفلا، بل حث زملاءه داخل أرض الملعب على التصرف بعفوية، وكأنهم لم يروا بأنه قد لعب الكرة بيده، التي تحولت بشكل ساخر، إلى جزء من رأس مارادونا، وجزء من يد الرب ‑كما وصفها- الذي انتقم للشعب المتضرر جرّاء الهزيمة بحرب الفوكلاند.

لذا يمكننا أن نصل إلى نقطة تلاق، طبقًا لوجهة نظر جيفري ليسر، عالم الاجتماع، في حالة الفوز، غالبًا ما يتم الاتفاق ضمنيًا على غض الطرف صحفيا وإعلاميا عن أي إخلال بالروح الرياضية داخل أرض الملعب، على عكس ما قد تحمله هذه التصرفات من تبعات حال خسر الفريق.

الخداع.. لا وطن له

حقيقةً، يظن البعض بأن الخلفية الاجتماعية للاعبي كرة القدم تحديدًا هي السبب في قيامهم بأي شيء مهما بدا سيئا على أرض الملعب طمعا في الفوز، ولنزيدك من الشعر بيتًا، فمصطلح «Picar­dia» اللاتيني، والذي يُلقن لكل ممتهن لكرة القدم خاصةً، يعني بأنك أحيانا أثناء رحلتك للفوز، يجب أن تفعل بعض الأشياء المشينة، لكن بشرط ألا يراك الحكم، لأنه إذا ما تم اصطيادك، ستتحول إلى مخطئ في نظر القانون، وهو ما قد لا تحمد عقباه.

يمتلك لويس تيبيا، المعلق التشيلي، وجهة نظر مغايرة بعض الشيء، فهو يرى أن الدافع وراء خداع اللاتينيين، ما هو إلا نتاج للبيئة التي نشؤوا بداخلها، فمعظم النجوم، قد انحدروا من أسر فقيرة للغاية، لم يكملوا تعليمهم في الغالب، ما يعني أنهم يعانون من خلل بالبوصلة الأخلاقية الخاصة بهم، ويرجع ذلك إلى محاولاتهم للتأقلم مع ظروفهم الصعبة، التي ينبغي أن يواجهونها بكل حيلة ممكنة، حتى وإن كانت غير مقبولة، على عكس الأوروبيين الذين نشؤوا داخل الأكاديميات الخاصة، التي وفرت لهم سبل الحياة الكريمة.

هذا الطرح ومع وجاهته، إلا أنه يظل معيبًا، على الأقل في بعض الأحيان، لأن خلفية اللاعب الاجتماعية والثقافية لا يجب أن تنال من إنسانيته واحترامه لنفسه ولمنافسه، كما أن ذات الطرح يمكن الطعن بصحته، حين نرى لاعبين من نفس الفئة، مثل روميلو لوكاكو، الذي سارع لإخبار حكم مباراة منتخبه البلجيكي أمام منتخب تونس بدور المجموعات من كأس العالم 2018، بأنه لا يستحق الحصول على ركلة جزاء بلقطة شهيرة.

بالنهاية؛ وحتى لا نشعرك بأنك مشتت، فلاعب كرة القدم رهن إشارة الجمهور، تلك هي الحقيقة التي لا يمكننا الهروب منها، إذا ما أراد جمهوره منه أن يلعب بشرف سيفعل ذلك، وإذا أراد العكس، فغالبا سيفعل ذلك، بغض النظر عن النتيجة، فالجمهور هو من يضع قواعد اللعبة، هو من جعل من مارادونا بطلا، وهو من صوّر فاولر كبطل من نوع آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى