الصحة النفسية

الشخصية الاجتماعية.. وكيف تؤدي مميزاتها إلى كشف عيوبها؟

تتعدد صفات الشخصية الاجتماعية التي وإن كانت تتمتع بطاقة تملأ بها أي مكان فور اقتحامه وتلفت انتباه الجميع بأقل مجهود، فإنها ليست بالضرورة محصنة بقيمة الثقة في النفس، بل ومن الوارد أن تؤدي مميزاتها لكشف هفواتها، ما نوضحه عبر تفاصيل الشخصية الاجتماعية الثرية.

الشخصية الاجتماعية

الشخصية الاجتماعية
طبيعة الشخصية الاجتماعية

يعتبر خبير علم النفس السويسري ومؤسس علم النفس التحليلي كارل يونغ، هو أول من لفت انتباه البشر لحقيقة وجود الشخصيات الاجتماعية أو الانبساطية والشخصيات الانطوائية، ذلك في بداية ستينيات القرن الماضي، حين أشار إلى الاختلاف الواضح في السمات وفي كيفية تحفيز كل شخصية منهما.

أوضح كارل أن الشخصية الاجتماعية تنجح في اكتساب الطاقة عبر التعامل مع البشر، حيث يبدو الوجود وسط الجماهير والتواصل مع العالم الخارجي أشبه بالوقود لأصحاب تلك الشخصية، وبعكس الشخصية الانطوائية التي تتسم بالتحفظ وتحتاج للانعزال أحيانًا من أجل شحذ طاقتها.

لم يتوصل خبراء علم النفس إلى رأي قاطع حتى وقتنا هذا، بشأن سر تمتع البعض بالشخصيات الاجتماعية والبعض الآخر بالانطوائية، إلا أن أغلب الآراء تشير إلى إمكانية تأثير العوامل الوراثية على ما يتراوح بين 40% و60% من البشر، فيما تترك النسبة المتبقية إلى العوامل البيئية والتجارب الشخصية.

صفات الشخصية الاجتماعية الإيجابية

ربما يمكننا توقع الكثير من صفات الشخصية الاجتماعية الإيجابية بناءً على استنتاجات كارل يونغ الموفقة، حيث تبقى تلك الشخصية الأكثر انطلاقًا وحيوية، لتبدو سماتها وسلوكياتها كالتالية:

الاستمتاع وسط المناسبات الاجتماعية

لا تجد الشخصية الاجتماعية أي أزمة في التواجد وسط الغرباء، أو في تقديم نفسها إليهم بكل أريحية، إذ تبدو الأماكن المحتشدة بالبشر من عوامل تحفيز تلك الشخصية على الانطلاق، على عكس أصحاب الشخصية الانطوائية.

التحلي بالمهارات القيادية

يؤدي التواجد وسط التجمعات بكل راحة، إلى سهولة اكتساب المهارات القيادية بمرور الوقت، لتصبح سهولة السيطرة على الآخرين من مهارات الشخصية الاجتماعية، وخاصة في ظل تمتعها بالجاذبية في أعين المحيطين.

السعي إلى جذب الانتباه

سواء كان الأمر يتم بصورة مبالغة أو متزنة، فإن المؤكد أن الشخصية الاجتماعية تسعى بدرجة أو بأخرى لكسب انتباه المحيطين، ما يفسر أيضًا سر شغف أصحاب تلك الشخصية بالتواجد وسط البشر، غرباء كانوا أم مقربين.

تكوين الصداقات المتعددة

يعد تكوين الصداقات من الأمور السهلة على الشخصية الاجتماعية، حيث تجد المتعة في التعرف على طبيعة الطرف الآخر والاستفادة منها، فيما تبدو فرصها أعلى في الالتقاء بالغرباء وتكوين العلاقات الاجتماعية معهم، نظرًا لتعدد الأنشطة التي تمارسها بصفة يومية.

التحدث دون قيود

في وقت يحرص فيه الكثيرون على التكتم على أسرارهم الشخصية، وخاصةٍ إن كانت تتضمن مجموعة من الأزمات المعقدة، فإن الشخصية الاجتماعية لا تجد أي أزمة في فضح أسرارها بنفسها، نظرًا لأنها تفضل الإفصاح عن طبيعتها دون حسابات، لذا يسمح أصحاب تلك الشخصية الانبساطية بالتحدث مع الآخرين عن أزماتهم، إذ ربما يكشف لهم ذلك عن حلول لم تكن في الحسبان.

السعادة والتفاؤل

لا يوجد شك في أن كل شخصية تحظى بأوقات المرح أحيانًا وأوقات الحزن في أحيان أخرى، إلا أن فرص التمتع بمشاعر السعادة الناتجة عن التفاؤل وحب الاستمتاع، تبدو أعلى كثيرًا لدى صاحب الشخصية الاجتماعية، حيث يفضل عدم التركيز على المشكلة لفترات طويلة، بقدر محاولة علاجها والاستمتاع بالوقت في نفس اللحظة.

المرونة

تعتبر مرونة الشخصيات الاجتماعية من الأسباب الإضافية وراء شعورها بالسعادة والرضا، حيث تبقى قادرة على التأقلم مع الظروف المختلفة وعلى التعايش مع الحوادث الطارئة، علاوة على أن حسن تنظيمها لا يتعارض لديها مع احتمالية اتخاذ بعض القرارات السريعة إن بدت مناسبة، دون الغرق في حسابات طويلة ومعقدة.

القبول بالمخاطرات

تكشف دراسة أمريكية أجراها الباحثون من جامعة كورنيل، عن اختلاف عقلية الشخصية الاجتماعية عن غيرها، حيث تزداد لديها إفرازات الدوبامين في الدماغ بمجرد قيامها بالمخاطرات ونجاحها في تنفيذها، ليزيد ذلك من مشاعر الرضا لديها، ويدفعها إلى تكرار تلك الأفعال الخطيرة وسط اندهاش الآخرين أحيانًا.

صفات الشخصية الاجتماعية السلبية

صفات الشخصية الاجتماعية
صفات الشخصية الاجتماعية السلبية

تتعدد إيجابيات الشخصية الاجتماعية كما لاحظنا، إلا أن وجود بعض السلبيات يعتبر منطقيًا، كما نوضح في تلك السطور.

صعوبة اختيار العزلة

إن كانت العودة للمنزل الهادئ والجلوس في غرفة خالية من الناس، تصبح أشبه بالحلم للشخص الانطوائي بعد قضاء فترة طويلة وسط البشر وحتى إن كانوا من الأصدقاء، فإن الأمر يبدو مختلفًا لدى الشخصية الاجتماعية التي لا تطيق قضاء الوقت وحيدة، وإلا فشلت في شحذ طاقتها، لتبقى مضطرة إلى البحث عن الرفقة أغلب الوقت.

بناء العلاقات الخاطئة

تؤدي سهولة تكوين الشخصية الاجتماعية للعلاقات بأشكالها المختلفة، إلى زيادة فرص الوقوع في علاقات تضر بها، حيث يعد شغف تلك الشخصية بالتعرف على الغرباء من الأسباب الجوهرية وراء امتلاء قائمة الأصدقاء بمن يستحقون ذلك وبمن لا يستحقون على حد سواء.

التهور

بينما تبدو المخاطرات من عوامل تحفيز الشخصية الاجتماعية، التي تزيد لديها إفرازات الدوبامين المبهجة، فإن تلك الحقيقة العلمية تدفع أصحاب تلك الشخصيات إلى القيام أحيانًا بأفعال تنم عن التهور وتؤدي للكوارث، لتأتي الرياح بما لا تشتهي السفن في بعض الأوقات، وتصبح النتيجة هي انخفاض معدلات السعادة بدلًا من ارتفاعها.

صعوبة التحكم في المشاعر

لا يتحلى صاحب الشخصية الاجتماعية بجزء بسيط من التحفظ، الذي يتمتع به الشخص الانطوائي، والذي إن منعه من مشاركة الآخرين بأفكاره أو بأزماته، فإنه يمنحه قدرة أكبر على السيطرة على مشاعره، بعكس الشخصية الاجتماعية غير القادرة أحيانًا على ضبط ما ينتابها من أحاسيس.

كسب العداوات

ربما تمنح طاقة وانطلاق الشخصية الاجتماعية لها فرص تكوين العلاقات الاجتماعية بسهولة، إلا أنها كذلك تتسبب في كسب العداوات ببساطة، إما بسبب مشاعر الغيرة أو جراء مبالغة الشخصية الاجتماعية في ردود أفعالها أو في كيفية الكشف عن مشاعرها، وبدرجة تبدو مزعجة للبعض.

أكاذيب حول الشخصية الاجتماعية

يكشف تباين صفات الشخصية الاجتماعية بين الإيجابيات والسلبيات، عن بعض من الأكاذيب التي انتشرت حول تلك الشخصية، التي إما يراها البعض الأفضل أو الأسوأ رغم أنها تجمع بين المميزات والعيوب.

التمتع بالثقة دائمًا

ربما هي الأكذوبة الأشهر عن الشخصية الاجتماعية، التي وإن تمتعت بالصداقات المتعددة أو تواجدت وسط الناس دائمًا، فإنها ليست بالضرورة واثقة بالنفس على طول الخط، إذ يمكن لتلك الشخصية أن تعاني من مشكلاتها الخاصة مثل أي شخصية أخرى، ليؤثر ذلك على الثقة في الذات.

عدم التحلي بالأخلاقيات

يعتقد البعض أن شغف الشخصية الاجتماعية بالتحدث دون حسابات وحتى مع الغرباء، يكشف عن غياب الأخلاقيات من مفهومها، فيما يتبين أن كثرة تحدث تلك الشخصيات تعتبر وسيلتها لمعالجة أفكارها الداخلية، بعكس ما يحدث لدى الانطوائيين.

صعوبة الإبداع

إن كان الإبداع يبدو أكثر ارتباطًا بالأشخاص الانطوائيين، القادرين على ابتكار عمل فني أو فكرة مثيرة بعد قضاء ساعات أو حتى أيام وأسابيع من العزلة، فإن ذلك لا يعني بالضرورة عدم قدرة الشخصية الاجتماعية على الابتكار بطريقتها الخاصة، بل يمكن لتواجد تلك الشخصية بين البشر أن يمنحها فرصة استلهام الأفكار من المحيطين بها ومن ثم الإبداع بأفضل صورة.

استحالة التوافق مع الانطوائيين

قد يعتقد البعض أن تفضيل الشخص الانطوائي للهدوء والبعد عن الأضواء، سوف يدفعه إلى الابتعاد عن الشخص الاجتماعي، والذي يفضل الوجود دومًا وسط البشر، إلا أن الواقع يثبت إمكانية تكوين علاقات اجتماعية عميقة بين الاجتماعيين والانطوائيين دون أزمات، فقط إن راعى كل طرف احتياجات ورغبات الطرف الآخر.

التحلي بالاجتماعية والانبساطية المطلقة

هي واحدة من الأكاذيب الأكثر انتشارا بين البشر، حيث يظن البعض أن الشخص الانبساطي هو اجتماعي طوال الوقت، وأن الانطوائي يبدو هادئًا ومتحفظًا من البداية للنهاية، فيما يؤكد الباحثون أن حتى الشخصيات الاجتماعية قد تعاني من التردد أو الخجل في بعض المواقف وإن كان ذلك لا يتكرر كثيرًا، مثلما يحدث للانطوائيين.

كيفية التعامل مع الشخصية الاجتماعية

الشخصية الاجتماعية
التعامل مع الشخصية الاجتماعية

ربما يشعر البعض أن التعامل مع الشخصية الاجتماعية المنطلقة والمتكلمة هو الأسهل، فيما يرى الآخرون أنه تحدٍ يتطلب التمتع بسمات قريبةٍ منها، ما نوضح حقيقته عبر طرح طرق التعامل مع الشخصيات الانبساطية.

التحلي بالإيجابية

سواء بدا الشخص الاجتماعي الذي تتعامل معه شديد التفاؤل أو كان في وضعية نفسية سيئة، فإن مفتاح النجاح في التواصل معه يبقى في التحلي بالإيجابية الصادقة، ودون الوقوع في مصيدة المبالغة، مع الإشارة إلى الاستمتاع برفقته والتحدث معه دون تزييف.

إعطاء التحديات

إن كنت ترغب في إقناع الشخصية الاجتماعية بتنفيذ مهمة ما أو حتى القيام بزيارة لمكان معين، فإن تغليف المهمة بطابع المغامرة والتحدي يزيد فرص قبول تلك الشخصية، فبينما يفضل الأشخاص الاجتماعيون المخاطرات عن الأعمال التقليدية، فإن وضع المهمة في صورة تحدٍ معقد سوف تزيد من رغبتهم في إتمامها وليس العكس.

قبول المخاطرات

ليس من البديهي أن تعطي الشخص الاجتماعي التحديات لتحفيزه، فيما ترفض القيام بالمثل إن أتيحت الفرصة، إذ تؤدي موافقة صاحب الشخصية الاجتماعية على أفكاره وحتى إن بدت متهورة أحيانًا، إلى شعوره بوجود بعض النقاط المشتركة، علاوة على زيادة فرص الاستمتاع بالوقت، ما يزيد من التقارب بين الطرفين.

عدم المقاطعة

التواصل بنجاح مع الشخصية الاجتماعية يعني مدها بالمساحة الكافية من أجل التحدث بكل حرية، إذ تؤدي مقاطعة هذا الشخص ظنًا بأن ذلك يزيد من ثراء الحديث، يتسبب في حدوث العكس في الواقع، لذا ينصح بالتعقيب في نهاية الحديث وليس في منتصفه.

عدم المبالغة

من الوارد أن يؤدي التعامل مع الشخصية الاجتماعية بما يليق مع طبيعتها إلى تحسين العلاقة، إلا أن المبالغة في القيام بذلك دون تفكير مسبق، أو حتى دون ملاحظة ردود فعل تلك الشخصية في كل مرة، قد يتسبب في شعورها بأنها وضعت في قالب محدد، ما قد يدفعها إلى تجنب العلاقة.

لا لإطلاق الأحكام

يحذر من إطلاق الأحكام على الآخرين أو تسليط الضوء على نقاط ضعفهم المحتملة بشكل عام، وعلى الأشخاص الاجتماعيين بشكل خاص، حيث يتسبب ذلك في إفساد العلاقات معهم، وخاصة وأن الشخصية الاجتماعية ترحب بكل ما هو إيجابي فيما تطرد كل ما ينم عن السلبية.

كتب عن الشخصية الاجتماعية

تتعدد الكتب والمؤلفات التي تكشف عن خبايا الشخصية الاجتماعية وعن كيفية التحلي ببعض من سماتها المميزة، ومن بينها تلك المجموعة من الكتب الرائجة.

كتاب “لماذا يجب على الاجتماعيين أن يكسبوا الأموال وحدهم؟”

هو الكتاب الذي ألفه كل من فريدريكا ج بالزانو وكذلك مارشا بوني كيلي، حيث تناولا من خلاله أهمية التمتع بصفات الأشخاص الاجتماعيين في الحياة العادية والعملية، قبل الكشف عن كيفية بناء شبكات العلاقات لتعزيز السمات الشخصية ولاكتساب سمات الانبساطية، وخاصة بالنسبة لأصحاب الشخصيات الانطوائية.

كتاب “عبقرية التناقض”

لا تكتفي المؤلفة جينيفر كانويلير هنا بالتحدث عن صفات الشخصية الاجتماعية الإيجابية، بل كذلك تكشف عن مميزات الشخصية الانطوائية الهادئة، لتوضح إمكانية تحقيق الطرفين المتناقضين لأكبر الإنجازات على صعيد العمل، بعكس توقعات البعض.

كتاب “الحب بين الانطوائيين والاجتماعيين”

كتاب آخر يكشف عن إمكانية وجود علاقة بين شخصية اجتماعية وأخرى انطوائية، ولكن تلك المرة علاقة عاطفية، حيث تفصح المؤلفة مارتي لاني عن بعض الحيل التي يمكن اتباعها من أجل ضمان نجاح العلاقات العاطفية، إن جمعت بين طرف انطوائي وطرف اجتماعي.

كتاب “الانطوائي الواثق”

ربما يبدو هذا الكتاب بعيدًا عن سمات الشخصية الانبساطية، لكنه يكشف في الواقع عن كيفية التمتع بصفاتها المميزة، لينجح قارئ هذا الكتاب في النهاية إلى الاستفادة من سماته الانطوائية بعد تعزيزها بجرأة وشجاعة الشخصية الاجتماعية.

في كل الأحوال، تبدو الشخصية الاجتماعية هي المثالية في أعين الكثيرين، إلا أن الحرص يبقى مطلوبًا لأصحاب تلك الشخصية، حتى لا يؤدي حب المخاطرة أو التقرب الزائد من البشر، إلى دفع الثمن غاليًا عند سوء الاختيار، لتصبح المميزات هي سر وجود العيوب للأسف.

بواسطة
مصدر 2
المصدر
مصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى