الصحة النفسية

الشخصية المضطربة.. تعددت الأشكال والمعاناة واحدة

تتعدد الأزمات النفسية التي تنتج عنها شخصية تعاني في الحياة اليومية، حيث تجد صعوبة في التعامل مع الآخرين وربما في أداء مهام العمل التقليدية، لتُعرف باسم الشخصية المضطربة، فيما نكشف الآن عن أشكالها المتنوعة وعلاجاتها الممكنة.

الشخصية المضطربة

الشخصية المضطربة
معاناة الشخصية المضطربة

يكشف مصطلح الشخصية المضطربة عن معاناة نفسية أو ذهنية لا حدود لها يمر بها صاحبها، حيث يبدو سلوك ونمط تفكير هذا الشخص وكأنه يعمل في غير صالحه، ليغرق حينها في الأزمات.

تؤدي أفكار الشخصية المضطربة في العادة إلى عرقلة مسيرتها في الحياة، إذ تمنعها من التأقلم بالشكل المطلوب مع مشاعر التوتر والقلق، كما تحول دون قدرتها على حل مشكلاتها العادية أو حتى بناء علاقات طبيعية مع الآخرين.

الشخصية المضطربة في علم النفس

لا يمكن حصر أشكال اضطرابات الشخصية المتعددة في نمط أو شكل واحد، إذ يمكن القول إن كل عدة اضطرابات تندرج تحت فئة ما، بعضها يعبر عن القلق الزائد والتخوف، وبعضها يعبر عن الانفعالية والدرامية والنزعة الواضحة لمعاداة المجتمع، فيما يكشف البعض الآخر عن السلوكيات الغريبة والانعزال وربما الانفصام.

تكمن الأزمة الحقيقية لدى الشخصية المضطربة في اعتقادها بأن كل ما تمارسه من سلوكيات وما يجول في خاطرها من أفكار هي طبيعية تمامًا، وأن المشكلة دائمًا في الآخر، الذي يمكن إلقاء اللوم عليه عند التعثر بدلًا من مواجهة النفس بالحقيقة.

لم يتوصل الخبراء والباحثون حتى الآن إلى سبب واضح وراء إصابة البعض باضطرابات الشخصية، إلا أن أغلب الاستنتاجات تشير إلى أن الأزمة تشير إما لأسباب وراثية وجينية، أو جراء تأثيرات خارجية غالبًا ما تنتج عن صدمة في مرحلة الطفولة، الأمر الذي يحتاج لزيارة الطبيب المختص للتشخيص وتحديد نوع وعلاج الشخصية المضطربة متعددة الأشكال.

اضطرابات الشخصية غريبة السلوك والتفكير

هي الفئة الأولى من فئات اضطرابات الشخصية الأشهر، والتي تكشف عن التشكك أحيانًا والميل للعزلة أحيانًا، والانفصام في أحيان أخرى، كما نوضح:

الشخصية المضطربة المرتابة

تعاني تلك الشخصية المضطربة بشكل دائم من الشكوك التي تسيطر على ذهنها، حيث تبدو فاقدة للثقة في كل من حولها، لذا تشك في دوافعهم بلا توقف، الأمر الذي يدفعها لحمل مشاعر الكره تجاه الآخرين بمرور الوقت.

الشخصية المضطربة الانعزالية

يفصح اسم تلك الشخصية المضطربة في علم النفس عن سلوكها العام، إذ لا تجد أي رغبة واضحة في تكوين العلاقات الاجتماعية مع البشر، بل وتتعامل مع الأمور بصورة تنم عن برودة المشاعر، ليزيد ذلك من انعزالها.

الشخصية المضطربة الانفصامية

هي أكثر الشخصيات غرابة في تلك الفئة، نظرًا لأنها تعاني من أعراض ذهنية مختلفة عن غيرها، مثل سماع أصوات في العقل، والاعتقاد بأنها قادرة على تغيير سلوكيات أو مواقف الآخرين بمجرد التفكير في ذلك، علاوة على أن صاحب تلك الشخصية غالبًا ما يتمتع بمظهر غريب وسلوك أغرب.

اضطرابات الشخصية الانفعالية والدرامية

الشخصية المضطربة
اضطرابات الشخصية الانفعالية

تجمع الفئة الثانية من اضطرابات الشخصية، تلك الأعراض المرتبطة بالانفعال الزائد عن الحد عند مواجهة مواقف الحياة العادية، وربما الميل للقيام بتصرفات تبدو غير مريحة للآخرين.

الشخصية المضطربة الانطوائية

بينما تعبر سمة الانطوائية في العادة عن تفضيل الهدوء والخجل وربما نقص المهارات الاجتماعية، فإن الأمر يبدو مختلفًا لدى الشخصية الانطوائية المضطربة، والتي لا تجد أزمة في خداع الآخرين وفي التعامل معهم بصورة عدوانية، من دون ذرة ندم أو مسؤولية، لتعد من أكثر الشخصيات المضطربة معاداةً للمجتمع.

الشخصية المضطربة الحدية

سواء تمتع بدعم الأسرة أو الأصدقاء أو لا، فإن معاناة المريض من اضطراب الشخصية الحدية تدفعه دائمًا إلى الشعور بالعزلة والفراغ الداخلي، حيث يبدو مرتابًا أحيانًا، فيما يمارس أنشطة خطيرة بلا تردد في أحيان أخرى، علما بأنه يجد صعوبة شديدة في التعامل مع المواقف التي يشوبها التوتر ويبدو واقعًا تحت سيطرة المزاج المتقلب.

الشخصية المضطربة الهستيرية

إن كان السلوك الدرامي هو الغالب على تلك الفئة من الاضطرابات الشخصية، فإن الشخصية الهستيرية هي الأكثر انفعالية ودرامية دون منازع، نظرًا لأن صاحبها يجد في هذا السلوك وسيلة مثالية لجذب الانتباه، فيما يقع بسهولة تحت سيطرة الآخرين، ويعاني من الحساسية الزائدة تجاه سماع كلمات النقد أو عند التعرض للرفض.

الشخصية المضطربة النرجسية

هي واحدة من أكثر الشخصيات المضطربة إثارة لحيرة الآخرين، حيث يخلط البعض بين الثقة في النفس وبين النرجسية التي تسيطر على تلك الشخصية، لتدفعها دائمًا إلى تسليط الأضواء على إنجازاتها والتفاخر بها بصورة مبالغة، مع الحاجة إلى سماع كلمات الإشادة رغم عدم القدرة على القيام بالمثل أو حتى التعاطف مع الآخر.

اضطرابات الشخصية القلقة والمتخوفة

يعتبر التخوف والقلق الزائد هو المسيطر على الفئة الثالثة من اضطرابات الشخصية، ليؤدي ذلك إما للعزلة أو الهوس أو ربما الاعتماد على الآخرين بشكل غير طبيعي.

الشخصية المضطربة التجنبية

يعاني صاحب تلك الشخصية من مشاعر سلبية ترتبط بفقدان الثقة الشديد في النفس، مثل الإحساس بالدونية وعدم الجاذبية وربما عدم الكفاءة في أي شيء، لذا يقرر تجنب المشاركة في أي أنشطة اجتماعية والانعزال عن المجتمع، وخاصة وأنه يعاني من خوف مرضي تجاه الانتقاد أو الإحراج.

الشخصية المضطربة الاعتمادية

يعبر اضطراب الشخصية الاعتمادية عن حالة الاعتماد الكامل على الآخر، من أجل تلبية الاحتياجات الجسدية والنفسية، بدرجة تمنع المصاب بهذا الاضطراب من اتخاذ القرارات بنفسه، وتشعره بالخوف الشديد من التواجد وحده وسط معترك الحياة، علما بأن سلوكه الخاضع يمنعه من إبداء أي رد فعل عند تلقي المعاملة السيئة، في ظل فقدانه للثقة بالذات.

الشخصية المضطربة الوسواسية

هي الشخصية الأكثر هوسًا بالنظام والقواعد، حيث تبدو الكمالية هي منهج الحياة لصاحبها، فيما يؤدي عدم ظهور كل شيء بصورة مثالية إلى معاناته نفسيًا، لتتسبب قلة المرونة وتركيز الجهد على إتمام الأمور بشكل مثالي، في صعوبة استمرار العلاقات الاجتماعية أو تكوينها من الأساس في بعض الأحيان، مع الوضع في الاعتبار أن تلك الأزمة تختلف عن اضطراب الوسواس القهري الأكثر خطورة وشهرة.

علاج اضطراب الشخصية

الشخصية المضطربة
علاج الشخصية المضطربة

يتحدد علاج الشخصية المضطربة وفقًا لنوعها وسلوكها، وكذلك بناءً على درجة خطورتها على المصاب وعلى الأشخاص المحيطين، إلا أن الأمر ينحصر في أغلب الأحيان على العلاج بالتحليل النفسي والأدوية العلاجية.

العلاج النفسي

يحتاج المريض عند حضور جلسات العلاج النفسي إلى الكشف عن كل ما يجول بخاطره من أفكار واعتقادات، حيث تزيد فرص نجاح الطبيب في تشخيص الأزمة وتحديد علاجها المناسب كلما كان المريض قادرًا على توضيح مشاعره دون تكتم أو تزييف.

يخضع المصاب باضطراب الشخصية إلى جلسات جماعية أو جلسات فردية مع الطبيب وفقا لحالته، من أجل تعلم كيفية التعامل مع مشاعر التوتر، وكذلك كيفية تحسين علاقاته الاجتماعية بمن حوله من بشر.

يخضع المريض كذلك لجلسات العلاج المعرفي السلوكي، والتي يصبح من خلالها قادرًا على تغيير نمط تفكيره السلبي، واستبداله بنمط أكثر إيجابية من أجل مواجهة تحديات الحياة اليومية بنجاح.

الأدوية العلاجية

بالرغم من عدم وجود أدوية علاجية مخصصة لاضطرابات الشخصية بأنواعها المختلفة، فإن بعض العلاجات الدوائية لها القدرة على السيطرة قدر الإمكان على أعراض تلك الاضطرابات، مثل:

  • مضادات الاكتئاب والتي تحسن المزاج وتقلل من الغضب وتسيطر بدرجة ما على الوساوس والأفكار المحبطة.
  • مثبتات المزاج والتي تمنع التقلبات المزاجية الحادة، كما تقلل من فرص المعاناة من التهيج والانفعال الشديد.
  • مضادات الذهان، والمعروفة بأنها مهدئة للأعصاب، تصلح للتعامل مع المريض الذي يفقد إحساسه بالواقع.
  • مضادات القلق، وهي الأدوية العلاجية الأشهر فيما يخص علاج التوتر المرضي والقلق الزائد وكذلك الأرق.

نصائح ومحاذير للشخصية المضطربة

الشخصية المضطربة
نصائح للشخصية المضطربة

ترتفع فرص علاج الشخصيات المضطربة من أزماتها عند الالتزام ببعض النصائح الضرورية، والتي يؤدي اتباعها إلى تقليل الأعراض، مع الحد من معاناة الأقارب والأصدقاء.

  • يعد التحدي الأبرز لمن يعاني من اضطراب بالشخصية هو إدراك الأزمة والاعتراف بها، مع التأكد أن العلاج هو الخيار الأمثل والأوحد أمامه.
  •  يمكن لطلب المساعدة أن يسهل الكثير من الأمور، إذ يساهم دعم الأسرة والأصدقاء في زيادة فرص العلاج.
  • بقدر أهمية تلقي الجلسات النفسية والحصول على الأدوية العلاجية، تأتي أهمية تجنب المواد المخدرة التي تتعارض مع العلاج النفسي.
  • كذلك يبدو تجنب الحصول على المشروبات الكحولية لزاما على مريض اضطراب الشخصية، لتأثيراتها السلبية على الحالة النفسية.

كيفية التعامل مع الشخصية المضطربة

يرى خبراء علم النفس أن دور الأشخاص المقربين من مريض اضطراب الشخصية لا يقل عن دوره من أجل تجاوز الأزمة، لذا ينصح باتباع تلك النصائح أيضا:

  • يعد تحفيز المريض بصورة إيجابية ودون تخويف أو تهديد على تلقي العلاج، هو أفضل ما يمكن القيام به.
  • يجب على الأشخاص المقربين من المريض أن يدركوا احتمالية شعوره بالغضب أو الانفعال الزائد عند توجيهه، ليبدو تجنب المجادلة معه مطلوبًا بشدة.
  • يعتبر الكشف عن المشاعر الخاصة دون انتقاد هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع الشخصية المضطربة بشكل ودي.
  • تبدو زيارة الطبيب النفسي جنبًا إلى جنب مع المريض مطلوبة من قبل الأشخاص المقربين، ليس فقط لدعمه نفسيًا بل كذلك للوقوف على طرق التعامل المثلى معه.

اضطرابات الشخصية والحب

الشخصية المضطربة
الشخصية المضطربة والحب

تبدو فرص الشخصية المضطربة في تكوين علاقات اجتماعية ناجحة بشكل عام، وعلاقات حب مثالية بشكل خاص شديدة الصعوبة، إن لم ينجح المريض في علاج أزمته، علمًا بأن التحدي الذي يواجهه يتحدد بناء على نوع الاضطراب.

الشخصية المرتابة

تكمن الأزمة لدى الشخصية المرتابة، في أنها تحمل الشكوك لكل من يتعامل معها، لذا يبدو النجاح في العلاقات الاجتماعية والعاطفية من التحديات المعقدة، في ظل عدم قدرة المريض على الوثوق بأي شخص، ما قد يدفعه إلى الشك في خيانة الطرف الآخر دون أي دليل.

الشخصية الانعزالية والشخصية التجنبية

تتشابه المشكلة لدى كل من الشخصية المضطربة الانعزالية والشخصية التجنبية، فسواء كانت العزلة بمحض إرادة المريض أو كانت جراء المعاناة من ضعف الثقة بالنفس، فإن النتيجة المؤكدة تتمثل في صعوبة بناء العلاقات الناجحة في ظل عدم قدرة المريض على التواجد وسط البشر من الأساس.

الشخصية الاعتمادية

من الوارد أن تقع الشخصية الاعتمادية في الحب، إلا أن استمرارية العلاقة بنجاح تبدو مثار شك، نظرا لأن السلوك الاعتمادي والذي يقع على كاهل طرف العلاقة الآخر، يصبح مرهقًا له بشدة بمرور الوقت، الأمر الذي يتطلب العلاج أيضًا دون تأجيل، أملًا في إنقاذ الموقف.

الشخصية الحدية

في وقت يعاني فيه صاحب الشخصية الحدية المضطربة من تقلب المزاج والتوتر الشديد لأتفه الأسباب، فإن فرص الاستمرار في علاقات عاطفية أو اجتماعية ناجحة، تبدو قليلة للغاية، علمًا بأن الصورة الذهنية السيئة عن النفس تقلل هي الأخرى من فرص بناء العلاقات.

الشخصية النرجسية

ربما تعد الشخصية النرجسية بما تحمل من سمات قريبة الشبه من الثقة بالذات والرغبة الدائمة في النجاح، هي الأكثر قدرة على الوقوع في الحب وتكوين العلاقات الاجتماعية، إلا أنها تصبح سببًا مباشرًا في معاناة الطرف الآخر، في ظل شعور النرجسي بأنه مركز الكون ورغبته في الحصول على الإشادات، وافتقاده لأبسط مبادئ التعاطف.

في الختام، وسواء تشابهت أعراض الاضطرابات الشخصية أحيانًا أو اختلفت في أحيان أخرى، فإن استشارة الأطباء المتخصصين تبدو هي الخيار المثالي، حتى لا تتفاقم الأزمة فتضر صاحبها وكل من حوله.

بواسطة
مصدر 2
المصدر
مصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى