الصحة النفسية

الفصام التشككي.. وكيف يدمر الارتياب صاحبه والمحيطين به؟

ربما يعد ما هو أسوأ من تحكم الشكوك في العقل، هو سيطرتها على زمام الأمور بصورة مرضية تمامًا، مثلما يحدث لمريض الفصام التشككي، الذي لا يعاني وحده في ظل وقوع الأشخاص المقربين منه كضحايا لارتيابه الدائم، فما هي تفاصيل هذا المرض العقلي المغلف بالظنون والأوهام؟

الفصام التشككي

تتعدد الأسماء التي تصف مرض الشيزوفرينا الارتيابي، فإلى جانب الفصام التشككي يعرف المرض كذلك باسم الفصام الزوراني والفصام الباروني أو البارانوي أو الاضطهادي، إضافة إلى اضطراب الشخصية الزوراني.

تبدو حياة مريض الفصام التشككي أشبه بسلسلة لا تنتهي من الشكوك، التي تطال الأشخاص كافة، سواء المقربين منه أو الغرباء الذين قد لا يعرف أسماءهم حتى، ما يحدث جراء خلل عقلي يعرقل من نجاحه في التفرقة بين الواقع والخيال.

تتأثر حياة مريض الفصام التشككي بالسوء يومًا بعد الآخر، حيث يبدو النجاح على الصعيد العملي أو الدراسي إن كان أصغر سنًا، علاوة على النجاح في الحياة الاجتماعية أو العاطفية، من الأحلام بعيدة المنال عن هذا المريض، والذي يعاني من أعراض سلبية لا حصر لها.

أسباب الفصام التشككي

الفصام التشككي
أسباب الفصام التشككي

لا يختلف الفصام التشككي عن غيره من أشكال الفصام في صعوبة تحديد عوامل الإصابة به، إلا أن الخبراء يرجحون تسبب بعض الأمور في زيادة فرص المعاناة من المرض المذكور، مثل:

  • العامل الوراثي الذي يبدو مؤثرًا بدرجة كبيرة، بالنظر إلى حالات شهدت معاناة الابن أو الابنة من الفصام بعد إصابة أحد الأبوين به.
  • عدم الاهتمام بالوضع الغذائي للمريض سواء في مرحلة الطفولة أو الرضاعة، أو حتى خلال نموه كجنين في بطن الأم.
  • المعاناة من الصدمات النفسية القوية وخاصة في مرحلة الطفولة، ليظهر صداها في صورة الإصابة بهذا المرض.
  • السلوكيات الخاطئة التي تشمل إدمان المواد المخدرة والمشروبات الكحولية وكل ما يحفز المرض ويتعارض مع علاجه.
  • كيمياء المخ وسوء وضعها الذي يؤدي إلى إفراز النواقل العصبية كالدوبامين بدرجات تحفز المرض.

أعراض الفصام التشككي

تكشف أعراض الفصام التشككي، والذي يعد أكثر أمراض الشيزوفرينيا انتشارًا حول العالم، عن طبيعة أزمته العقلية المزعجة له ولغيره من البشر، حيث تتمثل في:

أعراض الذهان

هي تلك الأعراض التي عادة ما تصيب مرضى الفصام بشكل عام، والفصام التشككي بشكل خاص، مثل:

  • الهلوسة التي قد تدفعه إلى رؤية أشياء وسماع أصوات وشم روائح ليس لها أي علاقة بالواقع، بل هي من نسج خياله.
  • الاضطراب على صعيد الفكر، حيث يجد صعوبة في اتخاذ القرارات وإعمال العقل بشيء من المنطق، ليتخذ أسوأ الخطوات إن لم يجد العون.
  • عدم إظهار المشاعر الإنسانية المعتادة، حيث يبقى وجهه خاليًا من التعبيرات كمن لا يهتم بحال من حوله أو حتى بحاله شخصيًا.
  • المظهر غير المنظم والذي يصل إلى حد السوء، في ظل عدم الاهتمام بالشكل أو حتى بالحالة الصحية والنظافة الشخصية.
  • الفشل في التحدث بصورة طبيعية، فبداية من نطق الكلمات أحيانًا بصورة خاطئة ومرورًا بالانتقال من حديث لآخر دون سبب ونهاية بكلام لا يتسم بالمنطق، يعبر كل ما ينطق به مريض الفصام عن أزمته بوضوح للأشخاص من حوله.

أعراض التشكك

هي تلك المجموعة من الأعراض الخاصة تحديدًا بضحية الفصام التشككي بعيدًا عن الأنواع الأخرى من هذا المرض، والتي تشمل:

  • المعاناة من الشعور بالاضطهاد، من جانب الأشخاص المحيطين به سواء في المنزل أو العمل أو مكان الدراسة.
  • بناء بعض الاستنتاجات غير المنطقة بحق الآخرين، والاعتقاد بأنها تدل على رغبتهم في إيذائه.
  • حمل مشاعر الكراهية بسهولة شديدة لمن حوله، بعد سيطرة الظنون السيئة على عقله.
  • الشك في أقرب الناس إليه، ومن بينهم شريك الحياة الذي يصبح ضحية لتوهمه بالتعرض للخيانة من جانبه.

مضاعفات الفصام التشككي

الفصام التشككي
التعامل مع مريض الفصام التشككي

لا تشكل مضاعفات الفصام التشككي مجموعة من الأمراض الأخرى دومًا، بل ربما تمثل المزيد من الأعراض الخطيرة التي تعكر صفو حياة المريض، ومن بينها:

العزلة

يجد مريض الفصام التشككي راحته أو هكذا يعتقد في البقاء بمعزل عن الآخرين، حيث تؤدي به الشكوك والأوهام التي لا تتوقف عن إزعاجه، إلى تجنب البشر جميعًا، سواء كانت علاقتهم به سطحية أو كانوا أفراد الأسرة الذين يعيشون معه بين جدران منزل واحد، ما يزيد من وضعيته سوءا على الصعيد النفسي.

تجاهل النشاطات الممتعة

إن كان مريض الفصام التشككي قد وجد بعض المتعة في نشاطات ما، كان يمارسها قبل المعاناة من المرض أو بعد ذلك، فإن التخلي عن تلك الممارسات المسلية يصبح مسألة وقت لا أكثر بالنسبة إليه، والسر في غياب الشغف عنه وانشغاله بأفكاره المضطربة الممزوجة بعقدة الاضطهاد، ليؤثر ذلك عليه سلبًا.

القلق الدائم

من المنطقي أن تتسبب الاوهام والشكوك المسيطرة على عقل مريض الفصام التشككي، في معاناته من القلق بصورة دائمة، وفي التأثير بأسوأ الدرجات على قدرته على النوم والاسترخاء مثل الأصحاء، حيث يبدو متشككًا في سلوكيات الجميع من حوله فيما بعد، ليفسر أبسط التصرفات على أنها تهديدات بحقه، ما يوضح سر المعاناة التي يتعايش معها أفراد أسرته، والتي لا تقل بأي حال من الأحوال عن درجة معاناته نفسه.

الأفكار الانتحارية

تمثل تلك أسوأ المضاعفات التي يعاني منها مريض الفصام التشككي، فبينما يعيش في جو من الظنون يتبعه انعزال موجع وانصراف واضح عن تفاصيل الحياة الواقعية كافة، فإن الأفكار الانتحارية تبدأ في التحكم في عقله رويدًا رويدًا، حتى تؤدي به إلى اتخاذ هذا القرار بإنهاء حياته، إن لم يتم الانتباه لحالته من جانب الأشخاص المقربين منه في الوقت المناسب.

علاج الفصام التشككي

الفصام التشككي
أعراض الفصام التشككي

إن كانت أسباب المرض مجهولة إلى حد بعيد، فإن العلاجات تتسم بالأمر ذاته، حيث لم يتوصل الأطباء إلى الآن لعلاج الفصام التشككي بصورة جذرية، لكن الأمر يستحق خوض التجارب التالية لتخفيف الأعراض على أقل تقدير.

استشارة الأطباء المتخصصين

هي الخطوة الأولى والأكثر أهمية، حيث يعد الطبيب هو الشخص الوحيد القادر على تشخيص المرض، عبر ملاحظة الأعراض ودرجة حدتها وفترات استمراريتها، علاوة على تحديد الفحوصات اللازمة التي تكشف عن معاناته من الفصام فعليًا أو من مرض آخر بأعراض متشابهة.

الحصول على العلاجات الدوائية

يحتاج مريض الفصام بشكل عام ومريض الفصام  الارتيابي بشكل خاص، إلى مجموعة من الأدوية العلاجية للحد من الأعراض المسيطرة على عقله، حيث تنجح مضادات الذهان وبعض العلاجات الأخرى في تقليل الأوهام والهلاوس وكذلك مشاعر الاضطهاد التي تسيطر عليه قدر الإمكان، فقط إن وصفت من جانب الطبيب المختص واستمر عليها المريض دون أي تكاسل.

حضور جلسات العلاج النفسي

يبقى مريض الفصام بحاجة دائمة إلى حضور جلسات العلاج النفسي، والتي ينجح من خلالها وبمساعدة الطبيب على إدراك طبيعة مرضه، ليبدو أكثر قدرة على ملاحظة أعراضه بذكاء، من أجل التعامل معها بالشكل اللازم قبل أن تعبث به، فيما تعد جلسات العلاج المعرفي السلوكي مطلوبة لدورها في تحقيق كل ما سبق.

تلقي الدعم الأسري

يمكن اعتبار الدعم المقدم من أفراد أسرة مريض الفصام التشككي أو من الأصدقاء المقربين، من وسائل العلاج الناجحة، حيث يؤدي ذلك من ناحية إلى تحسين الحالة النفسية المؤثرة بالإيجاب على وضعية المريض ودرجة تقبله للعلاج، كما تمنح المرافقين له القدرة على التعامل مع نوبات المرض وقت ظهورها بالشكل المطلوب، للسيطرة عليها قبل تفاقمها.

الالتزام بالأنشطة الحياتية المفيدة

ما بين ممارسة الرياضة بشكل شبه منتظم، واتباع عادات غذائية إيجابية، وكذلك محاولة النوم في مواعيد منتظمة، تتشكل أبرز عوامل دعم مريض الفصام التشككي لنفسه وبنفسه، إذ تتحسن الحالة النفسية للإنسان بشكل عام ولمريض الشيزوفرينيا بشكل خاص حينما يسير على روتين مفيد لا تشوبه شائبة، كما يقلل ذلك من فرص قيامه بسلوكيات مدمرة، تشمل إدمان الكحوليات والمخدرات على سبيل المثال لا الحصر.

البقاء بالمستشفيات

يرى الخبراء أن بعض حالات الفصام التشككي قد تصل بالمريض إلى حد إيذاء النفس بأبشع الطرق، حيث يصبح مهددًا مع تحول وضعه من سيئ إلى أسوأ بالانتحار، ليكشف ذلك حينها عن ضرورة بقاء المريض لفترة ما يحددها الأطباء المتخصصين داخل المستشفيات، التي توفر له الحماية اللازمة، وتقدم له العلاج الدوائي والنفسي في مناخ آمن تمامًا.

كيفية التعامل مع مريض الفصام التشككي

الفصام التشككي
علاج الفصام التشككي

ربما يقرر البعض قطع أواصل العلاقة مع مريض الفصام التشككي إن كانت سطحية من الأساس، إلا أن اتخاذ هذا القرار القاسي يبدو مستحيلًا حينما يكون من أفراد الأسرة أو من الأصدقاء المقربين، حينها ينصح بالتعامل معه عبر الخطوات التالية:

القراءة والتعلم

يحتاج مرافق مريض الفصام شأنه شأن المريض نفسه، إلى معرفة تفاصيل هذا المرض العقلي، من أجل إدراك كيفية التعامل مع الأعراض المزعجة لتلك الأزمة، ما يكشف عن ضرورة القراءة عن طبيعة الفصام التشككي، وكذلك الاستفسار من الطبيب المعالج عن كيفية التصرف في المواقف الصعبة.

الدعم والتحفيز

إن كان حصول مريض الفصام على العلاجات الدوائية من عوامل استقرار الحالة، فإن تحفيز المريض على الاستمرار في تلقي العلاج يعد من أفضل ما يمكن لأفراد الأسرة والأصدقاء أن يقوموا به، حيث يؤدي ذلك من ناحية إلى تخفيف الأعراض، فيما يؤدي على الجانب الآخر إلى وقايته من أخطر مضاعفات المرض والتي تصل إلى حد اتخاذ قرار الانتحار.

التحدث بوضوح

بينما يعد حصول المريض على العلاج مطلوبًا، فإن قيام الأشخاص المقربين منه بالتحدث بعبارات واضحة لا تحتمل أكثر من معنى، ولا يمكن تفسيرها بصورة خاطئة من جانب المريض، يبدو كذلك مطلوبًا بشدة، ربما يتطلب ذلك القيام بمجهودات إضافية في كثير من الأحيان، إلا أنه يبقى خيارًا مثاليًا بالمقارنة بما يحدث حينما تملأ الشكوك عقل ضحية هذا الفصام الارتيابي.

الصدق بحدود

لا يفضل الخوض في نقاشات مع المريض بشأن أوهامه، كما ينصح بعدم الكذب على المريض وادعاء تصديق ما يمر به من هلاوس، المطلوب هو التعامل بحكمة مع حالته المرضية، ذلك عبر الاستماع إليه بإصغاء، والتأكيد على فهمه وما يمر به، ولكن من دون التأكيد على حقيقة ما يحدث له.

الإيجابية

يشمل ذلك التركيز على ما يتمتع به مريض الفصام التشككي من إيجابيات، فبينما يبدو محبطًا من أوهامه وأفكاره الارتيابية، فإنه يتمتع رغم ذلك ببعض نقاط القوة التي ينصح بالتركيز عليها عند الحديث معه، لتحسين حالته النفسية وإبعاد الأفكار الوهمية عن خياله.

تجنب المحفزات

يؤدي الانتباه لحالة مريض الفصام جيدًا، إلى التوصل يومًا بعد الآخر إلى الأشياء التي تحفز لديه الأزمة، الأمر الذي يعني إدراك كل ما ينصح بتجنبه حتى لا تتفاقم المشكلة لديه، ليبدو ذلك من الأدوار المهمة للأشخاص المحيطين بضحية الفصام التشككي.

الحصول على الدعم النفسي

تتسبب أعراض الفصام التشككي في إزعاج الأشخاص المحيطين به تمامًا مثلما تزعجه نفسه، لذا لا توجد أي أزمة في طلب المساعدة عبر الأطباء المتخصصين حينما يصل الأمر بأحد مرافقي المريض إلى المعاناة على الصعيد النفسي، حيث يضمن ذلك البقاء في حالة ذهنية جيدة، ما ينعكس بالإيجاب على المريض الذي يجد الدعم بلا توقف حينها.

في كل الأحوال، يعد التعامل مع مرض الفصام التشككي من التحديات الصعبة، سواء على المريض أو على الأشخاص المقربين منه، لذلك يبقى التواصل الدائم مع الطبيب المختص واتباع الخطوات التي ينصح بها، هو الخيار اللازم للوصول بالمريض إلى بر الأمان.

المصدر
مصدر 1مصدر 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى