شائع

“زمار هاملين”.. والقصة الحقيقية وراء أسطورة “المزمار والفئران”

“زمار كان يستهدف صيد الفئران قبل أن يغضب ويتحول لعدو البلدة وخاطف الأطفال الصغار”، ربما هذا هو ملخص قصة زمار هاملين التي بدت أسطورية وغير واقعية للكثيرين، قبل أن يتبين وجود بعض الحقائق المثيرة في أحداثها، كما نوضح عبر تلك السطور.

زمار هاملين

تتعدد القصص والروايات التي يحكيها الآباء للأطفال الصغار في شتى بقاع الأرض، لتنبيههم أو ربما لتخويفهم من الغرباء وأملا في عدم تعرضهم للاختطاف أو الاعتداء، إذ تبدو قصة زمار هاملين إحدى تلك الحكايات الأسطورية المشهورة في العالم بأسره وفي ألمانيا على وجه التحديد.

تحكي تلك القصة المثيرة التي دارت أحداثها في عام 1284، عن رجل غامض ظهر في بلدة هاملن الألمانية، حيث كان يرتدي ملابس ملونة ومختلفة الشكل، فيما بدا واثقا من قدرته على تخليص البلدة من الكم الهائل من الفئران التي هاجمت البلدة وأزعجت السكان، لذا أجري اتفاق بينه وبين عمدة هاملين وبين بعض المواطنين على تخليص البلدة من الجرذان مقابل مبلغ مالي محدد.

بدأ زمار هاملين في تنفيذ الاتفاق فعليا دون تأجيل، حيث أخرج من ملابسه مزمارا صغيرا ليعزف عليه الموسيقى، قبل أن يفاجأ سكان البلدة في التو واللحظة ببدء خروج الفئران من المنازل ليتتبعوا مزمار هاملين أينما توجه.

استغل زمار هاملين الأمر فقام بالسير باتجاه نهر فيزر، بل ورفع ملابسه قليلا ليسير في مياهه أثناء العزف، لتتبعه الفئران دون توقف وتغرق جميعا في النهر، وينجح الزمار فعليا في تنفيذ جانبه من الاتفاق المبرم، إلا أن العمدة وسكان هاملين كان لهم رأي آخر فيما بعد، إذ بدؤوا في التملص من الاتفاق من أجل عدم دفع أجر الزمار، ما أصابه بالحسرة والندم وولد بداخله الرغبة في الانتقام.

غاب زمار هاملين لفترة قصيرة من الوقت قبل أن يعود من جديد في اليوم الشهير، الموافق الـ26 من يوليو لسنة 1284، حيث كان يوم الاحتفاء بذكرى جون وبول القديسين اللذين عاشا في الإمبراطورية الرومانية، إلا أن عودة الزمار لم تكن بغرض الاحتفال بل الانتقام، حيث ارتدى زي الصياد مدعوما بقبعة حمراء ليعزف من جديد على مزماره، ولكن تلك المرة لاستدعاء الأطفال وليس الفئران!

جذبت موسيقى زمار هاملين الكثير من أطفال البلدة ومن بينهم ابنة العمدة، حيث تتبعوه كما تتبعته الفئران من قبل، حتى وصلوا لأحد الجبال، ليختفي الأطفال منذ ذلك الحين ومعهم الزمار، وكأن أحد كهوف الجبل أطبق على الجميع إلى الأبد، فما حقيقة تلك القصة العجيبة والمفزعة في آن واحد؟

الحقيقة

ظهرت قصة زمار هاملين عبر عدد من الشعراء والكتاب، حيث كتب أحداثها الخيالية الأخوان الألمانيان غريم، تماما مثلما صاغها الكاتب الإنجليزي روربت براونينغ في إطار شعري في القرن التاسع عشر، إلا أن تلك الأعمال الفنية والتي بدت غير واقعية كان لها من الحقيقة نصيب لا يمكن تجاهله.

تبين أن وقائع القصة العجيبة انتشرت قبل ظهور الكتاب والشعراء المذكورين بقرون، حيث عثر السكان في سنة 1602، على كتابات تكشف عنها منقوشة على حجر في منزل بعيد، قيل إنه كان مقر إقامة الزمار، فيما بدت تلك الأحداث المذكورة هي نفسها التي وجدت مكتوبة على زجاج إحدى البنايات في وقت سابق، إلا أن تلك ليست الأسباب الوحيدة الكاشفة عن صدق الرواية.

كشفت السجلات القديمة التابعة لبلدة هاملين، والتي يعود تاريخها إلى عام 1384، عن واقعة اختفاء مثيرة حدثت قبل ذلك بـ100 عام، فيما تمثلت في تعرض 130 طفلا للاختطاف من قبل زمار غريب الأطوار، كما أيدت تلك الادعاءات بواسطة كتابات أخرى تاريخية وجدت في ألمانيا أيضا.

ربما تنتشر بعض النظريات التي تشير إلى أن اختطاف هؤلاء الأطفال لم يكن بداعي الانتقام، بل لترحيلهم إلى بلاد شرق أوروبا من أجل العمل، في ظل المعاناة من الكساد الاقتصادي، مثلما تكشف نظريات أخرى عن احتمالية وفاة الـ130 طفلا جراء الإصابة بالطاعون وليس أكثر، إلا أن الحقيقة المؤكدة بهذا الشأن لا تبدو واضحة المعالم.

في كل الأحوال، وسواء بدت أحداث رواية زمار هاملين الأسطورية مبنية على أحداث حقيقية أو لا، فإن المؤكد أنها نجحت على مدار سنوات طويلة في بث الرعب في قلوب أطفال أوروبا وغيرها من القارات، من أجل حثهم على عدم تتبع خطوات الغرباء، وخاصة إن كانوا يعزفون أروع ألحان الموسيقى مثل زمار هاملين خاطف أطفال ألمانيا وصائد الفئران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى