ثقافة ومعرفة

عراب البلاط القيصري “راسبوتين”.. راهب أم شيطان؟

وضعوا له السم في الطعام، وأطلقوا النار عليه بضع مرات، انهالوا عليه ضربا وألقوه في النهر مكبلا، قبل أن يخرج بعدها بثلاثة أيام جثة هامدة وقد فك قيوده وامتلأت رئتاه بالمياه؛ ما يعني أنه كان على قيد الحياة إلى وقت قريب.. الحديث هنا بالطبع عن الراهب الغامض، وشيطان البلاط القيصري “راسبوتين”.

ولادته

ولد جريجورى يافيموفيتش راسبوتين، فى قرية بوكروفسكوى الريفية الواقعة فى سيبيريا، فى 22 يناير 1869، وقد نزلت البلايا بأسرته قبل أن يتم عامه الـ12؛ إذ احترق منزله وتوفيت والدته، ثم غرق أخوه وأخته تباعا في النهر.

نشأته

رجل البلاط القيصري الغامض "راسبوتين".. راهب أم شيطان؟

تمتع جريجوري فى طفولته برؤى روحية غريبة وقدرات عجيبة على الشفاء، لكنه اكتسب فى فترة المراهقة اسم “راسبوتين”، وتعني “الفاجر” بالروسية، بسبب علاقاته الجنسية الفاضحة، ومعاقرته الخمر وانغماسه في المجون، وحين بلغ الثلاثين من عمره كان زوجا وأبا لأربعة أطفال، إلا أنه كان مولعا بالشراب والسرقة، واتهم ذات مرة بسرقة حصان فهرب على إثر هذه الحادثة من القرية، ولجأ إلى أحد الأديرة؛ حيث اتخذ صفة الرهبانية التي لازمته بعد ذلك طيلة حياته.

صفاته الجسدية

رجل البلاط القيصري الغامض "راسبوتين".. راهب أم شيطان؟

كان راسبوتين طويل القامة، ضخم الجثة، عريض الصدر، قوي الذراعين والجسد، يمتلك عينين نافذتين تخترق أعماق النساء، فتبدون كالمسحورات، ويجثون أمامه ليفعلن ما يأمرهن به.

وكان الأمر ذاته مع الرجال، فلم يكن أحد يجد في نفسه القدرة على مواجهة راسبوتين، أوالنظر مباشرة إلى عينيه؛ بل كانوا يحنون رؤوسهم، ويشيحوا بأبصارهم، عن هذه القوة الخفية التي تشع من عيني ذلك الراهب الغامض.

انتماءاته

رجل البلاط القيصري الغامض "راسبوتين".. راهب أم شيطان؟

عرف عن راسبوتين انتماءه إلى بعض الجماعات السرية، القائمة على الممارسات الجنسية والدعارة والمجون، وعلى رأسها طائفة “خليستي”، التي كانت أقرب إلى عبادة الشيطان، ويمارس أعضاؤها السحر الأسود، أثناء اجتماعاتهم الغامضة في الغابات والأحراش النائية.

بلاط القصر

رجل البلاط القيصري الغامض "راسبوتين".. راهب أم شيطان؟

كان اللقاء الأول بين راسبوتين والقيصر نيقولا الثاني في 14 نوفمبر عام 1905م، ولقد حاز راسبوتين على اندهاش الامبراطورة، ألكسندرا فيوديوروفونا، إذ اقتنعت تماما بقدراته، حين استطاع بإعجاز أن يخفف من معاناة ابنها أليكسيس نيكوليافبتش وريث عرش روسيا، بسبب النزيف الذي أصابه، نتيجة مرضه بسيلان الدم “الهيموفيليا”.

وحصل راسبوتين بسبب ذلك على صلاحيات واسعة جدا منحه إياها القيصر، وأصبح أقرب المقربين للعائلة المالكة، وسرت شائعات عن علاقاته السرية بالإمبراطورة وبعض نساء القصر، ما منجه نفوذا قويا داخل البلاط، حتى أن خزينة روسيا القيصرية فى ذلك الوقت كانت بأكملها تحت تصرفه، ينهل من أموالها ما يشاء دون أن يجرؤ أحد على منعه.

نفوذه

رجل البلاط القيصري الغامض "راسبوتين".. راهب أم شيطان؟

أصبح راسبوتين الحاكم الفعلي لروسيا، وكان القيصر وزوجته كالدمى بيديه، يأتمران بأمره، حتى دخلت روسيا الحرب مع الوحش الألماني، وغادر القيصر العاصمة “سانت بطرسبورج” متوجها إلى الجبهة لقيادة الجيش، وترك إدارة البلاد لزوجته، التي تركتها بدورها لمستشارها راسبوتين.

اتسع نفوذ راسبوتين، وزادت صلاحياته، وامتدت إلى ساحة المعركة، حيث اضطر القيصر إلى الاستماع إلى نصائحه بناء على رغبة الإمبراطورة، التي حذرته من عدم الانصياع لأوامر وتعليمات راسبوتين، وأن هذا سيؤدي إلى فقدان السلطة والحكم، الأمر الذي أدى إلى هلاك الآلاف المؤلفة من الجيش الروسي على الجبهات بسبب القرارات العسكرية الخاطئة، والتي كانت تصب في صالح الجيش الأماني المتمرس، وحينها ثار الشعب غضبا على القيصر وحاشيته، وحينها أيضا أدرك البعض أن عليه التخلص من راسبوتين، قبل أن تسوء الأمور أكثر من ذلك.

اغتياله

جرت محاولات عدة لاغتيال راسبوتين لكنه نجا منها بغرابة شديدة، حتى جاء اليوم الموعود ليلة الـ16 من ديسمبر عام 1916، عندما قررت مجموعة من النبلاء من أقارب القيصر التخلص من راسبوتين لإنقاذ روسيا.

رجل البلاط القيصري الغامض "راسبوتين".. راهب أم شيطان؟

دعا الأمير “فيليكس يوسوبوف” راسبوتين إلى قصر “مويكا”، بحجة أن زوجته “إيرينا” والتي يشاع عنها أنها أجمل امرأة في سانت بطرسبرغ تريد مقابلته، وبالفعل قبل راسبوتين الدعوة وحضر إلى القصر، ولدى وصوله رحب به أحد النبلاء وطلب منه مرافقته لرؤية القبو الذى يحتفظ فيه بأفضل أنواع الخمور، وهناك قدم لراسبوتين أجود أنواع النبيذ، بعد أن وضع به كمية من سم “السيانيد” تكفى لقتل 6 رجال، ولكن السم لم يؤثر براسبوتين إطلاقا، فما كان من الأمير يوسبوف إلا أن أخرج سلاحه، وأطلق الرصاص على راسبوتين من الخلف، قبل أن يلتفت وتستقر الرصاصات في صدره.

اغتياله مرة أخرى!

أثناء نقل الجثة، فتح راسبوتين عينه بقوة وأمسك برقبة أحدهم محاولا قتله، ما أثار الهلع والفزع في قلب الرجل ففر هاربا يستنجد ببقية النبلاء، الذين انتابتعهم الدهشة حين رأوا راسبوتين حيا، ويزحف من شدة الألم محاولا الهرب من القصر، فانهالوا عليه ضربا، وأطلقوا عليه النار مرة أخرى، قبل أن يقيدوه بالسلاسل ويلقوا به في نهر “نيفا” المتجمد.

الجثة الحية

رجل البلاط القيصري الغامض "راسبوتين".. راهب أم شيطان؟

عثر على جثة راسبوتين بعد أيام بعد أن طفت على السطح، وكانت المفاجأة المذهلة من نصيب الجميع، عندما وجدوا أنه قاوم تحت الماء حتى آخر لحظة فى حياته، على الرغم من إصاباته القاتلة، بل ونجح بالفعل في فك قيوده الحديدية، ولم يمت إلا غرقا بعد أن عجز عن الخروج من النهر لكثرة جراحه!

نبوءة

رجل البلاط القيصري الغامض "راسبوتين".. راهب أم شيطان؟

قبل مقتله بأيام، كتب راسبوتين رسالة إلى القيصر يتنبأ فيها بمقتله، وعثر على هذه الرسالة في جيب راسبوتين بعد ظهور جثته، يقول فيها: “إن كان قاتلي من عامة الشعب والفلاحين؛ ستحكم روسيا أنت وأولادك لأجيال قادمة، أما إن كان من النبلاء، فستقتل أنت وأبناؤك على أيدي الشعب الروسي”.

وتحققت نبوءة راسبوتين، فبعد ثلاثة أشهر من مقتله، قامت الثورة البلشفية وقضت على الحكم القيصري في روسيا، وبعدها بعدة أشهر، أعدم الثوار البلشفيون القيصر “نيقولا الثاني” وزوجته و أولاده الذين هم آخر أفراد أسرة رومانوف.

المصدر
طالع الموضوع الأصلي من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى