آراء ومساهماترياضة

عمر صابر يكتب: قصة كفاح خورخي مينديز حتى بناء إمبراطورية Gestifute

بدأت كرة القدم رياضة للفقراء لا تحتاج سوى الشغف لتبدأ بممارستها لتتحول فيما بعد إلى صناعة قوية ينفق عليها ملايين وتدر مليارات على عناصر المنظومة من فرق ولاعبين ورعاة واتحادات دولية، ومع تنامي شعبية كرة القدم بدأت كرة القدم تأخذ منحنى جديد بالنسبة للاعبين وعلاقتهم بكرة القدم.

حيث أصبح اللاعبون بحاجة إلى وكلاء يديرون شؤونهم ليحصلوا لهم على أفضل العروض من أرفع الأندية الأوروبية وأعلى رواتب وحوافز ممكنة، ولعل من أبرز الأسماء التي فرضت نفسها في القرن 21 هو وكيل الأعمال البرتغالي خورخي مينديز المُلقب بـ “Super Agent” نسبة إلى قدرته المميزة على التعامل مع المفاوضات الصعبة والحصول على المطلوب.

كان قانون “بوسمان” بمثابة نقطة تحول في مهنة وكلاء أعمال اللاعبين والمدربين، لنتوقف قليلًا عند قانون “بوسمان” لنعرف من أين جاء وماذا يعني؟ في عام 1990 قرر اللاعب جان مارك بوسمان التوجه إلى المحكمة الرياضية ليرفع قضية ضد ناديه آر إف سي لييج البلجيكي والاتحاد البلجيكي بعدما منعوه من الانتقال إلى نادي دنكيرك الفرنسي على الرغم من نهاية عقده.

كان القانون وقتها ينص على التزام اللاعب جهة ناديه حتى بعد نهاية عقده ولا يوجد شيء يسمى بالانتقال الحر، حيث إن النادي يجب أن يوافق على انتقال لاعبيه سواء كان عقدهم ساريا أو منتهيا وبالطبع يحاولون الحصول على أعلى مبلغ ممكن، بالإضافة إلى ذلك كانت تمارس الأندية ضغوطا قذرة على اللاعبين لإرغامهم على تجديد عقودهم إلا أن حكم المحكمة الرياضية لصالح بوسمان في 1995 وإصدار قانون “بوسمان” والإقرار بأحقية اللاعبين في الانتقال الحر بعد نهاية عقدهم غير خريطة كرة القدم ونمى من أهمية ودور مهنة وكيل الأعمال.

ولد البرتغالي خورخي مينديز في يناير 1966 بمدينة لشبونة، اضطر مينديز للعمل في سن صغيرة في بيع الملابس القديمة في أسواق السلع المستعملة وعمل بعدها لفترة في مصنع تغليف للآيس كريم بسبب ظروف أسرته المادية، مارس البرتغالي رياضة كرة القدم على ملعب بتروغال المحلي الذي كان يجاور منزله رفقة أصدقائه، اضطر مينديز إلى مغادرة لشبونة بعد وفاة زوجة شقيقه ليقرر الانتقال إلى مدينة فيانا دو كاستيلو للبقاء بجانب شقيقه وابنه أخيه، وانضم بعدها للعب رفقة فريق فيانينشي في دوري الهواة بجانب ذلك قرر فتح محل لتأجير أفلام الفيديو في عام 1989.

كان لخورخي دائما نظرة خاصة في الأمور حيث صرح بعد سنوات لشبكة “SSC” قائلًا: “لقد كان مركزا للأشباح لذلك رفض الكثير من قبلي الحصول على هذا المحل، ولكني رأيت الأمور بنظرة مختلفة حيث حصلت معه على مرفق للسيارات وهذا كان كل ما أحتاجه من هذا المحل، لقد حصلت منه على مبلغ يفوق ما كسبته كلاعب كرة قدم طوال حياتي”.

افتتح خورخي مينديز بعدها ملهى ليليا وحانة، ولم تمض فترة طويلة حتى أنشأ شركة “GestiFute” في عام 1996، كتب مينديز في كتابه “مفتاح خورخي مينديز” حول هذه الفترة قائلًا: “كنت أذهب يوميًا إلى الملهى وأشعر أن يومي قادم، لم أكن أكثر الأشخاص ذكاءً ولكني كنت أكثرهم عزيمة”، بالفعل التقى في يوم بنونو إسبيريتو سانتو مدرب توتنهام هوتسبير الحالي وحارس مرمى نادي فيتوريا غيماريش البرتغالي وقتها، تقرب مينديز من نونو سانتو وأصبحوا أصدقاء وعلم برغبته في الانتقال إلى نادي بورتو إلا أنه تمكن من إقناعه بالانتقال إلى إسبانيا والعودة بعدها إلى بورتو، وبالفعل سافر مينديز مسافة 300 كيلومتر من فيانا إلى غاليسيا ليقنع نادي ديبورتيفو لاكورونيا بالتوقيع مع نونو سانتو.

سافر مينديز كرجل مغمور لا يعرفه أحد، طالب بلقاء ليندويرو رئيس ديبورتيفو لاكورونيا الذي لم يكن يعرف ما سبب طلبه رؤيته، حاول مرارًا وتكرارًا الحصول على موعد مع ليندويرو حتى نجح في ذلك، نجح مينديز في إقناعه بالتوقيع مع نونو سانتو وتمت الصفقة في عام 1996، علق ليندويرو رئيس ديبورتيفو لاكورونيا لاحقًا عن مينديز قائلًا: “إنه بارع، العاطفة التي يتحدث بها وطريقة نقله للأمور وحديثه عنها تجعل من الصعب رفض أي شيء يقترحه”، رفض مينديز بعدها الحصول على أي يورو من هذه الصفقة وقطع الشيك الذي حصل عليه أمام أعين نونو سانتو كما كشف مدرب توتنهام لاحقًا. وبالفعل أوفى بوعده في لنونو سانتو عندما نقله من ديبورتيفو لاكورونيا إلى بورتو في عام 2002 ليحقق حلمه.

اعترف نونو سانتو في 2014 أثناء فترة تدريبه لنادي فالنسيا الإسباني بفضل خورخي مينديز عليه قائلًا: “أنا هنا الآن بفضل خورخي مينديز، إنه وكيل أعمالي وهو يقوم بعمله ببراعة”، اعتمد أسلوب مينديز على العمل على أكثر من صفقة عندما يلجأ نادٍ إليه للحصول على لاعب أو مدرب من وكالته، حيث يعمل على نقل مدرب من نادٍ إلى آخر ومن ثم توفير أفضل اللاعبين الذين يحتاجهم المدرب في ناديه الجديد من ناديه القديم، ويشرف بنفسه على المفاوضات وتلبية احتياجاته في ناديه الجديد بمجموعة من اللاعبين الذين هم وكلاء له أيضًا، علق بيريز رئيس ريال مدريد عن مينديز قائلًا: “إنه يدافع عن مصالح موكليه ولكنه أيضًا يحاول مساعدة أنديتهم التي يعملون بها بقدر استطاعته، هذا ليس حصرا فقط على ريال مدريد ولكنه يفعل ذلك مع جميع الأندية الإسبانية لذلك هو من الأفضل في هذا المجال”. 

بعد إتمام صفقته الأولى ونقل نونو سانتو إلى إسبانيا بدأ خورخي مينديز بالتوغل داخل الدوري البرتغالي مستغلًا الخلاف بين رئيس بورتو بينتو دا كوستا وخوسيه فيغا وكيل الأعمال البرتغالي الأبرز وقتها، نجح مينديز في عقد أولى صفقاته مع بورتو بنقل كوستينيا إلى التنانين ليلحقه فيها بعد ديكو وجورجي أندرادي، في هذا الوقت كان لا يزال خوسيه فيغا يملك العديد من اللاعبين المميزين مثل لويس فيغو وفرناندو كوتو ونونو غوميش، بقيت الأمور على حالها حتى حدث شجار بين خورخي مينديز وخوسيه فيغا في 2002 في مطار لشبونة أثناء انتقال الثنائي من ميلان إلى لشبونة على متن طائرة واحدة وصلت إلى الشجار بالأيدي وسقوطهم على الأرض، بعد ذلك أبرم مينديز أولى صفقاته مع فريق في الدوري الإنجليزي الممتاز حيث نقل هوغو فيانا إلى نادي نيوكاسل يونايتد مقابل 12 مليون يورو.

عمر صابر يكتب: قصة كفاح خورخي مينديز حتى بناء إمبراطورية Gestifute

اهتم خورخي مينديز بمتابعة الفئات العمرية المختلفة لأندية الدوري الإيطالي والمواهب البارزة، وكانت صفقة انتقال فيانا إلى نيوكاسل يونايتد الإنجليزي سببا لدفع ماريا دولوريس والدة كريستيانو رونالدو بالانضمام إلى وكالته وفسخ عقدها مع خوسيه فيغا لتمر أشهر قليلة فقط وينتقل كريستيانو رونالدو إلى مانشستر يونايتد.

علق خورخي مينديز لاحقًا عن هذه الصفقة قائلًا: “لقد أراد ريال مدريد وإنتر ميلان وحتى يوفنتوس ضم رونالدو.. ولكن مفتاح الصفقة كان وعد السير أليكس فيرجسون لي بالاعتناء باللاعب واشراكه في 50% من المباريات”، وأكد رونالدو على ثقته في مينديز بتصريحه: “إذا أحضر لي مينديز عقدًا للتوقيع في هوليوود كممثل وترك كرة القدم سأوقع على الفور، إنه رجل صادق ومخلص، لا أحد يعمل بقدر ما يعمل، إذا نظرت إلى لاعبيه والأندية التي يتعامل معها ستدرك أنه رقم واحد”.

بعد فوز جوزيه مورينيو بدوري أبطال أوروبا رفقة نادي بورتو قرر الروسي إبراموفيتش مالك تشيلسي إحضار البرتغالي إلى لندن لقيادة كتيبة البلوز، لم يكن خورخي مينديز وقتها وكيل أعمال جوزيه مورينيو إلا أن وكيل الأعمال بيبي زهافي المقرب من إدارة تشيلسي تواصل مع خورخي ليخبره برغبة إبراموفيتش في التعاقد مع جوزيه مورينيو لعلاقته الجيدة مع إدارة نادي بورتو، وبالفعل تمكن مينديز من إقناع بورتو بالسماح لمورينيو بالرحيل إلى تشيلسي كما جلس رفقة مورينيو ليقنعه بهذه الخطوة ولبى طلباته بإحضار كارفالو وفيريرا معه إلى تشيلسي ليفسخ فيما بعد جوزيه عقده مع وكيله خورخي بايديك وينضم إلى مينديز. 

يعرف عن وكيل الأعمال البرتغالي خورخي مينديز بأنه متعدد الصفقات وأنه نادرًا ما يعمل على صفقة واحدة، وهذا يعني أنك غالبا إذا اضطررت للتعامل معه من أجل إنهاء صفقة سينتهي بك المطاف بالحصول على أكثر من لاعب من وكالته قد لا يتم هذا في فترة انتقالات واحدة ولكنه يتم لاحقًا، وكان قد انضم كارفالو وفيريرا إلى مورينيو في تشيلسي، ناني وبيبي إلى رونالدو في مانشستر يونايتد، نونو سانتو وأندريه غوميز في فالنسيا وفالكاو وخاميس رودريجيز وفابينو في موناكو.

يملك مينديز علاقات طيبة مع الأندية وثقة متبادلة وهذا ما جعله مصدرا للثقة بالنسبة لهم، وكان قد كشف السير أليكس فيرجسون مدرب مانشستر يونايتد التاريخي في تصريح سابق أنهم تعاقدوا مع بيبي بناء على حديث خورخي مينديز معهم ونصيحة مساعدة فقط وأنهم لم يشاهدوه قبلها.

 وكشف النجم البرازيلي دييجو كوستا في حديث مميز له مع صحيفة “El pais” عن تطوره حتى وصوله للعب في صفوف تشيلسي الإنجليزي وأتلتيكو مدريد الإسباني، وعلق كوستا قائلًا: “لقد كنت في فترة إيقاف طويلة بسبب سلوكي العنيف مع نادي برشلونة إسبورتيفو كابيلا البرازيلي، في هذا اليوم سمح لي المسؤولون باللعب وكان هناك رجل يعمل رفقة خورخي مينديز في الملعب لمشاهدة المباراة، لا أعلم أن كان تدخل مينديز في الأمر أم أنها إرادة الله ولكني لعبت، بعد المباراة عرض على هذا الرجل نقلي إلى سبورتنج براغا البرتغالي ولم تمر 6 أشهر حتى أشرف خورخي مينديز على شراء أتلتيكو مدريد 50% من حقوقي الاقتصادية”.

ودائما ما يسعى ملاك ورؤساء الأندية الجدد الذين يأملون في بناء مشاريع قوية في أنديتهم لكسب ود خورخي مينديز ليكون عونا لهم في بناء مشروع قوي في وقت قصير مع الأسطول الذي يملكه من اللاعبين المميزين، وأشرف مينديز على عدة مشاريع أوروبية بشكل واضح رفقة رؤساء أنديتهم مثل سلفادور في سبورتنج براغا البرتغالي ودميرورين في بيشكتاش التركي في العقد الأول من القرن 21، وليم في فالنسيا الإسباني وريبولوفليف في موناكو الفرنسي في العقد الثاني من القرن 21 ومؤخرا يملك مينديز بصمة قوية في فريق ولفرهامبتون الإنجليزي بوجود 9 من أصل 25 لاعبا في صفوف الذئاب من وكالة خورخي مينديز.

وعلق أنطونيو سلفادور رئيس سبورتنج براغا عن علاقته بخورخي مينديز قائلًا: “كنا ناديا صغيرا وأردنا أن نجعل براغا معروفا في البرتغال وأوروبا بأكملها لذلك قررنا الدخول في شراكة مع وكالة خورخي مينديز في 2006، بعد 5 سنوات أصبحنا في المركز الثاني في ترتيب جدول الدوري وبعدها بسبع سنوات فزنا بكأس الدوري البرتغالي ووصلنا إلى نهائي الدوري الأوروبي”، وظهر بينتو دا كوستا ولويس فيليبي رئيسي ناديي بورتو وبنفيكا عبر فيلم “The Super Agent” لشكر مينديز على مساهمته في تطور كرة البرتغالية مصرحين: “لقد وصلت مئات الملايين إلى الأندية البرتغالية من عمليات البيع في السنوات الأخيرة بسبب مجهودات وبراعة مينديز في الحصول على أعلى قيمة ممكنة”.

وتشير الإحصائيات إلى أن خورخي مينديز كان مسؤولًا عن 68% من جميع معاملات الأندية الثلاثة الكبرى في الدوري البرتغالي خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وواجه خورخي مينديز عدة اتهامات من وكلاء أعمال مختلفين عن سرقته اللاعبين منهم حيث اتهمته وكالة آنا الميدا بسرقة ناني منهم واتهمه خورخي بايديك بسرقة جوزيه مورينيو بالإضافة إلى جونكالو ريس الذي اتهمه بسرقة بيبي قبل أيام من رحيله إلى مانشستر يونايتد.

وتملك وكالة Gestifute التي يملكها ويديرها خورخي مينديز حقوق رعاية 147 لاعبا في الوقت الحالي حسب مؤشرات موقع “Transfer Market” الأخيرة، وتصل قيمة هؤلاء اللاعبين إلى 1.05 مليار يورو ويصل متوسط سعر اللاعب الواحد إلى 7.16 مليون يورو، ويعد من أبرز اللاعبين التي تملك وكالة خورخي مينديز حقوق رعايتهم كريستيانو رونالدو لاعب مانشستر يونايتد وروبين دياز لاعب مانشستر سيتي وفابينو لاعب ليفربول وجواو فيلكس لاعب أتلتيكو مدريد وأنسو فاتي لاعب برشلونة وخاميس رودريجيز لاعب إيفرتون ودي ماريا لاعب باريس سان جيرمان.

وتملك الوكالة أيضًا حقوق رعاية 10 مدربين أبرزهم جوزيه مورينيو مدرب روما الإيطالي ونونو سانتو مدرب توتنهام الإنجليزي وبرونو لاج مدرب ولفرهامبتون وجاتوزو مدرب ميلان ونابولي السابق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى