ليس هناك ما هو أغرب من مشوار حياة هذا الرجل، الذي عاش سلسة من الفشل والأحزان الدفينة منذ أن جاء لهذه الدنيا. فمن اليتم، إلى الطرد من الجيش، ومن الطلاق وفقدان الابن، إلى الفشل في العمل، عاني هذا الشخص الأمرين، قبل أن يتحول به الأمر إلى أسطورة تروى، عن كيفية تحقيق الأحلام ولو بعد حين.
إنه كولونيل ساندرز، مؤسس كنتاكي الذي ذاق طعم النجاح الباهر، بعج أن شاب شعره.
طفولة حزينة
ولد هارلاند ديفيد ساندرز، والمعروف باسم كولونيل ساندرز، في الـ 9 من سبتمبر، سنة 1890، وبينما توفى والده وهو لم يتجاوز الـ 6 من عمره، اضطر ساندرز أن يقوم بأعمال الطبخ وتحضير الطعام في المنزل لاخوته الصغار، في ظل انشغال الأم بالعمل، من أجل رعاية أسرتها الصغيرة، بعد وفاة الزوج.
مع بلوغه الـ 10، بدأ ساندرز الصغير في العمل كمزارع في إحدى الحقول بالولايات المتحدة، قبل أن يترك المنزل في الـ 13 من العمر، ويبدأ في العمل دهانا لعربات الأحصنة.
الفصل من الجيش
في عام 1906، انضم ساندرز إلى الجيش الأمريكي، بينما وبعد مرور أقل من عام واحد، تعرض المراهق الصغير إلى الفصل من الجيش، في واحدة من أصعب اللحظات التي مرت على ساندرز.
حينها لم يعد إلى المنزل، بل ذهب لولاية ألاباما ليعيش مع عمه، ويعمل في عدة مهن مختلفة، حيث عمل كمساعد حداد، وفي تلميع الأحذية، بل ورجل مطافي لبعض الوقت.
فقدان ابن وطلاق
مع بلوغ ساندرز عامه الـ 19، التقى الشاب الصغير بزوجته المستقبلية، جوزفين كينج، وذلك أثناء عمله حينها بالسكة الحديدية، وبالرغم من اعتقاده بأن زواجه سيكون بداية لحياة جديدة مليئة بالاستقرار والهدوء، إلا أن الأمور لم تسير كما توقع تماما.
حيث توفى ابنه الصغير بعد زواجه من جوزفين، في نفس الوقت الذي ترك فيه عمله، لتتركه زوجته أيضا، ملقية بحمل أطفالهما عليه وحده.
بداية حقيقية ثم صدمة
بدأ ساندرز ومع وصوله للـ 40 من العمر، في افتتاح أول مشاريعه الخاصة، والتي كانت عبارة عن محطة لخدمات السيارات، حينها وردت إلى ذهنه فكرة ذهبية، تتلخص في استغلال سوء نوعية الأكلات التي تقدم في مطاعم ولاية كنتاكي التي يعيش فيها، وذلك عبر تحويل واحدة من الغرف الموجودة بالمحطة لمطبخ صغير، يقوم فيه بتحضير الدجاج المقلي، والخضار، والبطاطس، ليفاجأ برد فعل رائع، ألزمه بتحويل المحطة لمطعم كبير امتلأ بالزبائن، وبدأ في الشهرة في غضون سنوات.
حينها ظن ساندرز أنه بدأ أخيرا في تحقيق النجاحات التي طالما حلم بها، ولكن كعادة مشوار حياته البائس، كان نجاح مطعمه قصير الأجل، بعد أن أعيد تخطيط المدينة بأكملها، وأصبح المطعم شديد البعد عن الطرق السريعة.
لا لليأس
لم يستسلم الرجل تماما، حتى وبعد أن أصبح عجوزا، يتجاوز الـ 60 من عمره، إذ قام بالمرور بدجاجه الشهي عبر المنازل المختلفة لبيعها، حتى جمع الكثير من الأموال.
الأمر الذي حفزه على افتتاح مطعم جديد، سنة 1959، أطلق عليه اسم دجاج كنتاكي، صار مع مرور الوقت من أشهر المطاعم في ولايته، بل وفي الولايات المتحدة بأكملها، حتى بلغ عدد فروع مطعمه نحو 200 فرع بعد مرور 3 سنوات فقط من افتتاحه.
حينها فقط، وافق ساندرز على بيع مطعمه مقابل قيمة خيالية بلغت 2 مليون دولار، إضافة إلى عشرات الآلاف من الدولارات كراتب دائم له، ليعيش البقية الباقية من حياته كالمحارب الصلب الذي أراد الاستراحة أخيرا، بعد أعوام من التعب والاجتهاد.
وفي عام 1980، توفي كولونيل ساندرز، بعد أن جعل من كنتاكي أحد أشهر مطاعم الوجبات السريعة بالعالم، وجعل من نفسه كذلك، أيقونة نجاح لا تتكرر كثيرا.