لم تكن امرأة عادية، إذ حرمت من نعمتي السمع والإبصار، لكنها تحولت بدونهما إلى أديبة عظيمة، وناشطة مدافعة عن ذوي الاحتياجات الخاصة، لتصبح كما قال الكاتب الأمريكي الكبير مارك توين، أعظم سيدات القرن التاسع عشر على الإطلاق، إنها الكاتبة والحقوقية الشهيرة، هيلين كيلر.
ظروف قاسية
ليس هناك ما هو أشد قسوة من تلك الظروف، التي تعرضت لها هيلين، الفتاة الأمريكية الصغيرة، والتي ولدت في عام 1880 بصحة جيدة، ولكنها فقدت حاستي السمع والإبصار قبل أن تبلغ عامها الثاني، نتيجة الإصابة بحمى القرمزية.
لذا فمع بلوغها عامها السادس، وبناء على نصائح الأطباء، التحقت هيلين بإحدى المعاهد المخصصة للمكفوفين يدعى “باركينس”، حيث كانت الطفلة الصغيرة تحت رعاية نموذجية، من جانب المعلمة “آن سوليفان” ابنة الـ 20 عاما، التي ساعدتها لتتجاوز محنتها، عبر تعليمها الحروف والكلمات بطرق شديدة الابتكار.
ففي البداية كان الأمر شديد الصعوبة على هيلين، ما أصابها بالاحباط، حتى قامت المعلمة آن في يوم، بوضع الماء على إحدى يدي هيلين، بينما كتبت كلمة “مياه” على اليد الآخرى، وهو الأمر الذي وإن بدا طريقا مستحيلا لتعليم هيلين الكلمات، إلا أن تكرار نفس التجربة بدأ في جذب اهتمام الطفلة الصغيرة، حتى صار كالمنهج التعليمي الذي يتناسب معها بشدة.
تطور مذهل
في العاشرة من عمرها، كانت هيلين قد تعلمت فعليا طريقة برايل في القراءة، بل وصارت قادرة على استخدام الآلة الكاتبة ببراعة، لذا كان التحدث بالنسبة إليها هو التحدي المقبل، الذي تمكنت من تجاوزه أيضا ببلوغها عامها الـ 16، لتلتحق بإحدى المدارس، ومنها إلى كلية رادكليف الأمريكية.
ليس غريبا إذن على تلك الفتاة التي بدأ يشهد لها الجميع بالموهبة الفذة والذكاء المتقد، أن تحصل على بكالوريوس الآداب سنة 1904، بعد أن تمكنت من تعلم 4 لغات دفعة واحدة، وهم الفرنسية والألمانية واليونانية واللاتينية، قبل أن تتجاوز حتى عامها الـ 24، لتثبت للجميع صدق توقعاتهم المتفائلة تجاهها.
أيقونة الإرادة والتحدي
بدأ صيت هيلين يذاع مع ملاحظة مجهوداتها الكبرى، في مجالات حقوق الإنسان وذوي الاحتياجات الخاصة، على وجه التحديد، لذا تم ضمها لاتحاد الحريات بالولايات المتحدة، بل وأسند إليها منصب سفيرة المنظمة الأمريكية للمكفوفين.
في هذا الوقت، كانت براعة هيلين في الكتابة قد ظهرت للعيان، فتم توثيقها من خلال كتب داعمة للمكفوفين، ومنتقدة للأوضاع الأمريكية الداخلية، وللظروف الصعبة بل والمأساوية التي عاشها ذوي الاحتياجات الخاصة بألمانيا، وقت حكم أدولف هتلر للبلاد، ما أكسبها بعض العداء هناك، لكنه لم يثنيها للحظة عن الاستمرار في دورها، الذي رأته مهمتها الأساسية في الحياة.
وبالفعل، يبدو أن مشوار حياة هيلين كيلر، كان نبراسا للعديد من الحكومات والمؤسسات الخيرية، التي بدأت في وضع المكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة، على رأس اهتماماتها، لتتحقق بعض من أحلام تلك السيدة الأمريكية، التي وإن توفيت في عام 1968، فإن أعمالها وإسهاماتها ستظل خالدة مهما طال الزمان.