ثقافة ومعرفة

أبو حنيفة النعمان.. أول الأئمة وداعم الثورات الذي مات في السجن

أبو حنيفة النعمان، هو اسم ذائع الصيت من قديم الأزل، ومنذ ما يزيد على 1000 سنة، حيث يحمله أول الأئمة الـ4 عند أهل السنة والجماعة، والذي نسب إليه المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي، لذا نكشف الآن عن حياة هذا الإمام العالم في أصول الدين والفقه، لنبرز بعضا من أهم مواقفه وأقواله.

قصة أبي حنيفة النعمان

ولد أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن مرزبان الكوفي، في العام الـ80 بعد الهجرة، والذي يوافق سنة 699م، في واحدة من أشهر المدن في العراق القديمة والمعروفة باسم الكوفة، حيث تربى وتعايش مع مجموعة من الصحابة، ربما كان أبرزهم أنس بن مالك، فيما سمي بالنعمان تيمنا بأحد ملوك الفرس قديما.

نشأ أبو حنيفة في محيط من الورع والعبادات، لذا بدا مهتما منذ الصغر بدراسة أصول الدين والفقه والتبحر فيه، ولم يستمر طويلا في أعمال التجارة التي باشرها مع والده، بل انصرف إلى مجالسة العلماء الذين ساعدوه على التطور في عالم الفقه، بالاستناد إلى القرآن والسنة والإجماع والقياس والاستحسان والعرف والعادة.

يعتبر أبو حنيفة هو أول الأئمة الـ4، حيث جاء من بعده مالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل، إلا أن النعمان كان صاحب الريادة فيما يخص إصدار الفتاوى بناء على أحكام المنطق وبالاستناد إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، علما بأنه كان يتسم بالذكاء والحكمة.

مواقف أبي حنيفة النعمان

على الرغم من تركيز أبي حنيفة على دراسة علوم الدين، بدرجة جعلته المؤسس وراء أولى المدارس الفقهية في التاريخ الإسلامي، إلا أن ذلك لم يثنه عن الدخول في مجادلات عدة، سواء مع أهل الإلحاد، أو حتى مع الولاة والخلفاء، ما كانت نتائجه وخيمه عليه في بعض الأحيان.

واجه أبو حنيفة النعمان الدولة الأموية، حين ساند الثورة التي اشتعلت على يد الإمام زيد بن علي، رافضا العمل عند والي الكوفة، الأمر الذي أدى إلى تعرضه للحبس لفترة ليست بالقصيرة، قبل أن يعود من جديد ليساند الثورة التي اشتعلت في عهد الخلافة العباسية، ليكون السجن مصيره مرة أخرى.

من أقوال الإمام أبي حنيفة النعمان

تتعدد الأقوال المأثورة التي قيلت على لسان الإمام أبي حنيفة النعمان، والتي تكشف عن فلسفة هذا العالم الفقيه، حيث كان يحذر دائما من التحدث دون فهم، وخاصة في الفقه والدين، قائلا: «مثل من يطلب الحديث ولا يتفقه، كمثل الصيدلاني يجمع الأدوية ولا يدري لأي داء هي حتى يحضر الطبيب، هكذا طالب الحديث الذي لا يعرف وجه حديثه حتى يجيء الفقيه».

كذلك وبالرغم من كثرة المناظرات التي دخلها أبو حنيفة بغرض كشف الحقائق، إلا أنه كان ينهى عن تلك المجادلات التي قد تنتهي بما لا يحمد عقباه، قائلا لابنه: «كنا نناظر وكأن على رؤوسنا الطير مخافة أن يزل صاحبنا، وأنتم تناظرون وتريدون زلة صاحبكم، ومن أراد أن يزل صاحبه فقد أراد أن يكفر صاحبه، وكفر قبل أن يكفر صاحبه».

كذلك انتشرت الأقوال المشهورة التي قيلت عن الإمام أبي حنيفة على ألسنة علماء وأئمة آخرين، حيث تعتبر أبرزها تلك المقولة التي ذكرها الإمام الشافعي: «من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة».

كذلك امتدح إمام آخر من الأئمة الـ4 وهو مالك بن أنس، قدرات أبي حنيفة على المناظرة والإقناع، حينما قال: «لو أراد أبو حنيفة أن يقنع الناس بأن تلك السارية ذهب لأقنعهم».

كيف مات الإمام أبو حنيفة النعمان؟

لم يرحل الإمام أبو حنيفة عن عالمنا في ظروف عادية، بل كانت وفاته إبان فترة عصيبة شهدت على أحد مواقفه القوية، فبينما واجه العالم والفقيه الخلافة العباسية في عهد المنصور، داعما ثورة محمد النفس الزكية، فإنه واجه الأزمات تلو الأخرى.

دعم أبو حنيفة الثورة ضد أبي جعفر المنصور في البداية، قبل أن يرفض طلبه بتولي القضاء أو حتى تولي منصب قاضي القضاة، لذا قرر المنصور إيداعه في المحبس لفترة طالت حتى مات.

توفي أبو حنيفة النعمان في العام الـ150 من الهجرة الموافق سنة 767م، في بغداد، ودفن في مقبرة الخيزران، لتبقى إسهاماته في عالم الفقه باقية حتى الآن، وهو العالم الذي نسبت إليه طريقة فقهية عرفت حتى وقتنا هذا باسم المذهب الحنفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى