ثقافة ومعرفة

رجوكان.. القرية التي لا يرى سكانها الشمس

يمتلك سكان رجوكان النرويجية علاقة معقّدة مع الشمس، يحبونها أكثر من أي شيء آخر، حتى أصبحت محور أحاديث قاطنيها الجانبية، يتحدثون عن فوائدها لجسم الإنسان، وأضرار الابتعاد عنها، ربما يوجد سبب منطقي لذلك بالتأكيد، فهذه الفئة من البشر تعاني من عدم رؤية الشمس من الأساس لنحو نصف عام كل سنة.

مدينة الظل

شيدت رجوكان بين عامي 1905 و1916، حين اشترى رجل أعمال يدعى سام إيدي الشلال المحلي (المعروف باسم شلال الدخان) وقام ببناء محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية هناك، وتبع ذلك بنائه لمصانع إنتاج الأسمدة الصناعية.

يبلغ عدد سكان رجوكان 3000 نسمة، وتقع في شق بين جبلين شاهقين، ما يجعل وصول الشمس للسكان ورؤيتها بشكل فعلي أمرًا يستحيل حدوثه لأشهر طويلة، وهو ما يصيب بعض السكان بالخمول.

يصف كتاب “The Yellow Emperor’s Classic Of Medicine”، الذي يعتقد أنه تمت كتابته سنة 300 قبل الميلاد مدى تأثير تغيُّر الفصول على صحة الكائنات الحية، حيث يشير الكتاب إلى أن فصل الشتاء، هو وقت تخزين الطاقة والهدوء، على عكس فصل الصيف.

كذلك لاحظ الطبيب النفسي فيليب بينيس، أن بعض مرضاه قد أصيبوا باضطرابات نفسية وتدهورات عقلية عندما حل الطقس البارد بديسيمبر ويناير.

في الثمانينيات، تم إدراج هذه الظاهرة تحت مسمى الاكتئاب الموسمي، وقتئذ لم تكن حكرا على الاضطرابات النفسية التي تصيب بعض الأشخاص بفصل الشتاء وحسب، بل بمختلف فصول السنة.

هنا يأتي السؤال الأهم، وهو لماذا قد يعاني بعض البشر نفسيا خلال فصل الشتاء؟

حقيقة؛ وضع العلماء العديد من النظريات، إلا أنها تظل غير مؤكدة إلى اللحظة، أولها هو أن عيون بعض الأشخاص أقل حساسية للضوء، لذلك حين تنخفض معدلات الضوء التي يتعرضون لها لحد معين، يتعرضون لخلل حقيقي بساعتهم البيلوجية.

لكن النظرية الأكثر شيوعا، هي أن عدم تعرض الإنسان للشمس يحفز هرمون الميلاتونين داخل الجسد، وهو هرمون يتم إفرازه عادةً ليلا، من أجل مساعدة الجسم على الخمول والسكون، بينما يتم قمع إفرازه خلال النهار، أو بمعنى أوضح خلال التعرض للشمس.

حل مثالي

رجوكان

بالعودة إلى رجوكان، التي تضم حوالي 3500 نسمة بداخلها، توصل فنان يدعى مارتن أندرسن، والذي قد انتقل إلى القرية المظلمة مؤخرا إلى حل غيّر حياة هذه البقعة من الأرض تماما، ويعتقد أن الفكرة نفسها قد طرأت على ذهنه نظرا لعدم تحمله العيش بمثل هذه الظروف.

في العام 2013، أقنع مارتن السلطات المحلية بتركيب مرايا عملاقة بتكلفة نحو 800 ألف دولار أمريكي، بحيث توضع أعلى الجبال التي تقع القرية بينها لتعكس أشعة الشمس.

في الواقع، كانت هذه الفكرة قد تم طرحها قبل أكثر من مائة عام، حين رأى المهندس “سام إيد” عام 1928، أن الحل المثالي لتوفير الشمس لسكان رجوكان يكمن في وضع مرايا عملاقة تعكس الشمس أعلى الجبال، لكن التكنولوجيا المتاحة وقتئذ لم تسمح بتطبيق الفكرة، فاستعوضها بالـ”تلفريك”، الذي اعتبر آنذاك وسيلة السكان الوحيدة لرؤية الشمس بأشهر الظلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى